هل الرئيس باراك اوباما من السذاجة إلى درجة القول أن ايران «جزء من الحلّ في سوريا»؟. كيف يمكن لإيران أن تكون جزءا من الحل في سوريا، فيما يتبيّن في كلّ يوم، بل في كلّ ساعة، أنّها تحوّلت إلى لبّ المشكلة؟.
في أساس المشكلة، وهي أزمة نظام أوّلا، موقف ايران من ثورة شعبية حقيقية على نظام أقلّوي وضع نفسه في خدمة المشروع الإيراني. أراد هذا النظام الذي أسّس له حافظ الأسد منذ ما قبل وصوله إلى إحتكار السلطة في العام 1970، استعباد شعب بكامله وجعله في خدمة طائفة. في عهد بشّار الأسد صار على هذا الشعب أن يكون في خدمة عائلة معيّنة إمتهنت سلب الشعب والبلد خيراتهما عن طريق تحويل سوريا كلّها إلى شركة خاصة ملك للعائلة وللمحيطين بها.
يختلف المتابعون للمشهد الإيراني بين مَن يعتقد أن طهران ستغيّر سلوكها بعد الإتفاق الذي توصلت إليه مع مجموعة البلدان الخمسة زائد واحد في شأن ملفّها النووي، وبين مَن يقول العكس. هناك من يعتقد أن ايران ستستخدم الأموال التي ستحصل عليها من أجل الإهتمام بشعبها ورفاهه. وهناك، في المقابل، من يؤكّد، إستنادا إلى تجارب الماضي القريب، أنّها ستتابع سياسة دعم الميليشيات المذهبية التابعة لها خدمة لمشروعها القائم على إثارة الغرائز المذهبية.
من الواضح أن الرئيس الأميركي يمتلك مقدارا كبيرا من التفاؤل. قد يكون ذلك عائدا إلى معرفته بايران وتاريخها وحضارتها ولجهله بطبيعة النظام الذي يحكم البلد منذ العام 1979 تاريخ حصول ثورة آية الله الخميني التي أفضت إلى إعتماد الدستور المعمول به والذي في اساسه «ولاية الفقيه».
من الواضح أيضا، أن باراك أوباما الذي يرى بعين واحدة، يتجاهل السلوك الذي يعتمده النظام الإيراني. ربّما، يعرف الكثير عنه، لكنّه يفضّل أن لا يعرف. يمكن أن يكون في أساس ذلك خلفية الرئيس الأميركي الذي تربّى على افكار يسارية، من النوع البدائي، لم يستطع أن يجهر بها إلّا في ولايته الثانية التي بدأت في العام 2012.
هذه الأفكار الأوبامية تقوم على فهم سطحي للشرق الأوسط، وتفرّق بين تنظيم «داعش» السنّي والدواعش الشيعية التي خلقت حاضنة لـ»داعش» وأخوانه وأخواته، خصوصا في سوريا والعراق.
كان ملفتا حديث اوباما في المقابلة التي اجراها مع توماس فريدمان عن «الزعماء العرب السنّة» وكأنّ هؤلاء يشكلون مجموعة في حدّ ذاتها معادية لإيران وللإتفاق في شأن ملفّها النووي. وضع أوباما الجميع في سلّة واحدة، وهذا أسوأ ما يمكن أن يقوم به رئيس دولة عظمى يتعاطى، أو هكذا يفترض، مع مشاكل المنطقة وأزماتها.
الخوف، كلّ الخوف، من عجز أوباما عن فهم طبيعة الخطر الذي تمثّله ايران. هذا الخطر ليس في برنامجها النووي. اسرائيل تتاجر بهذا الخطر وتبتزّ الولايات المتحدة. هذا مفهوم إلى حدّ كبير. ما ليس مفهوما عدم قدرة الإدارة الأميركية على فهم أن دول المنطقة لا تشكو أساسا من البرنامج النووي الإيراني.
المشكو منه هو الميليشيات المذهبية التي تستخدمها ايران وتمولّها بهدف السيطرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن وضرب الإستقرار في البحرين والسعي إلى خلق مشاكل للسعودية. الشكوى من كون ايران تستثمر في هذه الميليشيات لتقسيم العراق وتفتيت سوريا ومنع لبنان من التقاط انفاسه وادخال اليمن في حروب داخلية.
ليس كافيا كلام أوباما عن تفادي حرب جديدة في المنطقة وعن تمنينه الأميركيين بأنّه سيترك أهل المنطقة يتقاتلون في ما بينهم، بينما ستتخذ الولايات المتحدة دور المتفرّج هذه المرّة. هل ستظل الإدارة الأميركية تتفرّج على ما يقوم به «حزب الله» الذي يشارك في قتل الشعب السوري ويمنع لبنان من أن يكون لديه رئيس جديد للجمهورية؟. هل يمكن أن تتفرّج إلى ما لا نهاية على عملية تفتيت سوريا باشراف ايراني وروسي؟. هل يمكن أن تتابع تشجيع «الحشد الشعبي» في العراق، الذي ليس سوى الوجه الشيعي لـ»داعش» السنّية؟. هل يمكن أن تبقى مكتوفة أمام المأساة اليومية في اليمن والتي وراءها رغبة «انصار الله» إقامة جيب يستخدم في أن يكون شوكة في الخاصرة الخليجية عموما والسعودية على وجه التحديد؟.
يعطي الإتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني فكرة عن توجّه أميركي جديد على الصعيد الشرق أوسطي. هناك من تنبه لذلك باكرا، أكان ذلك عبر التصدي للأطماع الإيرانية في البحرين، أو عبر منع سقوط مصر في يد الإخوان المسلمين أو عبر مواجهة المشروع الإيراني في اليمن بشكل مباشر.
لا يمكن فصل الإتفاق عن هذا التوجّه. الثابت أنّ كلّ كلام عن تغيير داخلي في ايران سابق لأوانه. في النهاية، لا يمكن للشعب الإيراني البقاء ساكنا في وجه نظام يفرض عليه، كما يفرض على المنطقة، ثقافة الموت التي يشكّل «الحرس الثوري» خير تعبير عنها. ولكن لا يمكن أيضا تجاهل أن ايران لم تقدّم يوما دليلا على أنّها مستعدة للتخلي عن سلاحها الأهم المتمثل في الإستثمار في الغرائز المذهبية.
تتخلى ايران، عن إمكان الحصول على السلاح النووي وإن موقتا. تفعل ذلك من أجل تعزيز قدرتها على تخريب المجتمعات العربية، بمباركة أميركية هذه المرّة، لا أكثر ولا أقلّ.
قد يكون باراك أوباما ساذجا… ولكن لا يبدو أنّه ساذج إلى هذا الحدّ.