اعترف أحد المفاوضين الغربيين مع المسؤولين الايرانيين في جلسة خاصة في باريس “بأن أميركا لم توقّع اتفاقاً نووياً مع ايران القوية من اجل مساعدتها على تعزيز نفوذها ودورها وفرض هيمنتها على المنطقة على حساب مصالح واشنطن وحلفائها، بل أن أميركا انجزت اتفاقاً مع ايران التي تواجه، منذ سنوات، أوضاعاً داخلية اقتصادية واجتماعية ومعيشية وتنموية بالغة الصعوبة وهي تحتاج الى سياسات جديدة وتحولات في نهج ادارة البلد من أجل معالجتها ومنعها من التفاقم وتشكيل تهديد كبير جدي على مصير الايرانيين. وسياسات ايران الاقليمية لن تعوض نقاط ضعفها هذه. وقد استغل المسؤولون الأميركيون هذا الضعف الايراني الداخلي غير المعترف به وسياسات الرئيس حسن روحاني وفريقه من اجل الانتقال من مرحلة رفع شعار الانفتاح وسياسة اليد الممدودة الى الايرانيين التي تبناها الرئيس باراك اوباما منذ توليه السلطة عام 2009 ولم تحقق نتائج في عهد الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، الى مرحلة العمل الجدي مع “الشريك الايراني” لإنجاز الأهداف المرجوة والمتفق عليها مع دول غربية أخرى. ذلك أن روحاني كان شريكاً حقيقياً لأوباما في تعزيز نهج الحوار والانفتاح وهو ركز علناً وفي اتصالاته مع واشنطن منذ انتخابه رئيساً على المسائل الاساسية الداخلية التي مهّدت الطريق لتوقيع الاتفاق النووي الايراني – الدولي وهي:
أولاً: ركز روحاني في الكثير من خطبه على أن الوضع الداخلي “كارثي” في المجالات الحيوية الاساسية وانه يجب اعطاء الاولوية القصوى لمعالجته وانقاذ الايرانيين من ظروفهم البالغة القسوة. وهذا الموقف يتناقض كليا مع مواقف احمدي نجاد والمتشددين الرافضين الاعتراف بقسوة الوضع الداخلي.
ثانياً: ركز روحاني على ان هذا الوضع الكارثي مرده خصوصا الى العقوبات الدولية البالغة القسوة التي فرضتها أميركا والدول الكبرى الاخرى على ايران بتهمة سعي القيادة الايرانية الى امتلاك قدرات تكنولوجية متطورة من اجل انتاج السلاح النووي، ويجب تالياً اعطاء الاولوية للتخلص من هذه العقوبات وليس مواصلة التعايش معها، استناداً الى الرئيس الايراني.
ثالثاً: ركز روحاني على أن الحل ليس في مواصلة تطبيق سياسة المواجهة مع اميركا بل في التحاور والتفاوض معها ومع الدول الكبرى الاخرى من اجل ايجاد تسوية سلمية شاملة للنزاع النووي وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الايرانية – الأميركية – الغربية.
وأوضح هذا المفاوض الغربي ان “روحاني هو الذي نصح أوباما بضرورة التواصل مباشرة مع مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي من اجل ضمان دعمه لهذه السياسة الانفتاحية، فاستجاب الرئيس الاميركي للنصيحة وبعث بأربع رسائل الى المرشد، الأمر الذي ضمن مظلة حماية للوفد الايراني المفاوض وساعد على انجاز الاتفاق النووي”. وأضاف: “ان تجربة التفاوض الطويلة والصعبة بين ايران ومجموعة الدول الست اثبتت ثلاث حقائق أساسية هي الآتية:
أولاً: ان القيادة الايرانية مستعدة لأن تتصرف بمرونة وواقعية وتبتعد عن التشدد والمواقف الثورية الثابتة وأن تتخلى عن خطوطها الحمر المعلنة وتقدم تنازلات جوهرية كبيرة وأن تنفذ المطالب والشروط الأميركية – الدولية المتشددة في مقابل ضمان مصالح حيوية لها وتحقيق مكاسب. وهذه المرونة الايرانية أنتجت الاتفاق النووي ويمكن ان تتكرر في مجالات أخرى.
ثانياً: أثبتت القيادة الايرانية انها تستطيع ان تتعامل وتتفاوض مع “الشيطان الاكبر” أميركا، وأن تنجز مع المسؤولين الأميركيين تفاهمات علنية مهمة مما يجعل حملاتها على الدول والجهات العربية المتحالفة مع واشنطن عديمة الجدوى وتفتقر الى مبررات حقيقية.
ثالثاً: أثبتت هذه التجربة ان العقوبات الدولية البالغة القسوة المفروضة على ايران منذ سنوات حققت النتائج المرجوة منها اذ انها دفعت القيادة الايرانية الى التخلي في النهاية عن مشروعها النووي الكبير الذي انفقت عليه أموالا طائلة وتكبدت بسببه خسائر تتجاوز 200 مليار دولار، وهو مشروع امتلاك القدرات التكنولوجية المتطورة التي تسمح لها بانتاج السلاح النووي عندما تتخذ القرار السياسي في هذا الشأن”.
وخلص المفاوض الغربي الى القول: “لقد خسرت القيادة الايرانية المواجهة الطويلة في صراعها النووي مع أميركا والغرب اذ انها ارادت أساساً ان تمتلك مشروعا نووياً كبيراً قابلاً للاستخدام العسكري من اجل التفاوض من موقع قوة مع الدول الكبرى وفرض نوع من الهيمنة على المنطقة. لكن ايران اضطرت الى التخلي عن هذا المشروع وانجزت مع الدول الكبرى اتفاقا يجرد برنامجها النووي من كل مكوناته وعناصره الخطرة وينزع عنه الطابع العسكري ويجعله خاضعاً للرقابة الدولية بل للوصاية الدولية الصارمة ولشروط قاسية محددة تمنع الايرانيين من انتاج اي سلاح نووي ومن تحقيق طموحاتهم السابقة”.