تحدث الموظف الأميركي المهم السابق نفسه الذي تعاطى وإدارات عدة في بلاده قضايا الشرق الأوسط عن الرئيس السابق للحكومة وزعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري، قال: “هو لبناني من دون أي شك لكنه ليس كوالده الرئيس الراحل رفيق الحريري. كان السعوديّون يعتبرونه واحداً منهم. أنتم في لبنان محظوظون لأن قنابلكم انفجرت وألحقت الأذى بكم، والسوريون محظوظون لأن قنابلهم انفجرت أيضاً ولا تزال تنفجر وتلحق الأذى بهم، لكن غيركم لا تزال قنابلهم تهتز وقد تنفجر وتتسبّب بأضرار كبيرة. من هذا الغير السعودية والجزائر ومصر. أما المغرب فبعيد نسبياً عن هذا النوع من الاحتمالات لأسباب عدة منها حكمة “أمير المؤمنين” فيها الذي استبق الانفجار بتطويق مسبّباته. تصوَّر نتائج ذلك. تعرف أميركا أن ضرب “داعش” الرقة السورية والموصل العراقية في سرعة لن يُنهيه ولن يُنهي العنف في الدولتين والمنطقتين، وأنه سيصبح مثل “القاعدة” أو “الدولة الإسلامية في العراق” أيام أبو مصعب الزرقاوي. لكن هدفها من ضربه في سرعة هو ضرب فكرة الدولة – الخلافة الإسلامية والقضاء عليها. وهذا أمرٌ ممكن”.
كيف يمكن مواجهة التطرّف الإسلامي الكبير الذي تجلّى سابقاً في “القاعدة” ولا يزال والذي يتمثل الآن في “داعش” والتنظيمات المشابهة له؟ سألت. أجاب: “المهم تحديث الإسلام بمراجعة كتب التفسير والاجتهاد من دون مس القرآن لأن المسلمين يؤمنون بأنه تدوين لكلام الله كما نزل على نبيّه محمد. وهذا أمر مهم لأنه قد يشكّل ثورة ثقافية في الإسلام. ولا نعرف إذا كان سيحصل. والمهم أن يقوم به المسلمون كلّهم وفي مقدّمهم أهل السنة. وأنا لا أعرف إذا كان سيحصل”.
ماذا عن السعودية ثم حربها في اليمن؟ سألتُ. أجاب: “حربها في اليمن كما حرب اليمن الواسعة لا نعرف كيف ستنتهي. وربما أدى الصراع الذي يتحدث عنه بين “المحمّدين” ولي العهد ونائبه، صاحبي نظرية تحوُّل المملكة من استراتيجيا الدفاع إلى الهجوم، إلى الاستمرار في الحرب لانجاز عملية التحوّل. أما نتائج محاولة كهذه أو من نتائج نجاحها فلا تزال مجهولة وكذلك انعكاساتها على العائلة السعودية الحاكمة. المشكلة أننا لا نريد “ديموقراطية عسكرية” في منطقتكم بل حدّاً أدنى من الاعتدال والشورى والإنسانية واحترام الحقوق، حتى الآن لا نرى مجموعات نخبوية كهذه”.
علّقتُ: عدم اهتمام أوباما بالشرق الأوسط سيجعل العالم المسلم إسلامياً متشدِّداً. وفي ذلك خطر على شعوبه كما على العالم وفي مقدمه أميركا وأوروبا. ردّ: “أوباما ذكي جدّاً لأنه لم يهتم بالشرق الأوسط”. سألت: “ما رأيك في حملة الانتخابات الرئاسية التمهيدية الجارية الآن في بلادك؟”. أجاب: “أولاً دعني أقل لك إنني في الانتخابات يميني وجمهوري. ولي علاقة بالطامحين الأربعة لأن يكونوا مرشّحين رسميّين للحزب الجمهوري (واحد منهم انسحب بعد وصولي إلى واشنطن بقليل وهو ماركو روبيو). دونالد ترامب لا علاقة لي معه. ومن الصعب أن يفوز، ولكن لا يمكن الجزم باستحالة فوزه الذي قد يتحقّق إذا حاز ممثّلي ولايات مهمّة معينة، وكذلك إذا امتنع المرشّحون الجمهوريون كلهم عن الخوض في السياسة الخارجية. على كل حضرت اجتماعاً لم يشارك فيه سوى المتطرّفين من اليمينيّين. وقد شعرت لفرط تطرّفهم أنّني يساري. في أي حال لا يمكن البناء على الكلام “الحلو” الذي قاله الرئيس الروسي بوتين عن ترامب للتأكيد أنهما سيكونان حليفين أو حتى صديقين في حال فوز الأخير”.
ختم الموظّف الأميركي المهم السابق نفسه اللقاء بسؤال: “ماذا يمكن أن يحصل في لبنان؟”. أجبت: أتمنّى أن يستمر الاستقرار الهش الذي يعيشه وأن يحاول قادته وزعماؤه تلافي إيصاله من حاله السيئة إلى حال أسوأ. لكن احتمالات انهاء هذا الاستقرار الهش موجودة في استمرار. فالبنزين وفير في البلاد وعيدان الكبريت أكثر بكثير من أن تُحصى. ورئاسة الجمهورية شاغرة والحكومة غير منتجة، بل مشلولة، ومجلس النواب مُقفل والانقسامات الطائفية والمذهبية إلى تفاقم، والعنف الأمني قد يتفجّر إذا تحرّكت “الخلايا” النائمة.
ماذا في جعبة موظف أميركي سابق مهم يعرف لبنان وسوريا والمنطقة والصراع العربي – الإسرائيلي والإيراني – الأميركي في “الإدارة” الأميركية نفسها؟
بدأ اللقاء بالتأكيد أن “أوباما ليس مهتمّاً بالشرق الأوسط على الإطلاق. وليس مهتمّاً بسوريا. كل همّه الآن “داعش”، لا الأسد ولا غيره ولا حتى السعودية”.
ماذا قال أيضاً؟