في مقال نشرته صحيفة «دايلي تلغراف»، كتب أوباما: «نهتم جميعاً بسيادتنا لكنّ الأمم التي تمارس نفوذها بطريقة أكثر فعالية تفعل ذلك من خلال عمل جماعي يرقى إلى مستوى التّحديات الراهنة». هذا التصريح أتى بعد أن أملى الرئيس الإميركي باراك أوباما على البريطانيين ما يجب أن يفعلوه خلال وجوده يوم السبت الفائت في لندن، برغم الحملة التي شنّها معارضو المستقبل الأوروبي الذين أعلنوا رفضهم لنصائح الأميركيين بشأن عضوية بريطانيا في الإتّحاد الأوروبي. أوباما مذكّراً بالتضحيات الأميركية في سبيل أوروبا وبالعواقب المترتبة على الخيار البريطاني، أكّد أمام الملكة إليزابيت ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون على ضرورة الإبقاء على العلاقة الوثيقة بين المملكة المتّحدة والإتحاد الأوروبي في ظلّ تشابك تاريخ البلدين ووجود عشرات آلاف الأميركيين المدفونين في مقابر أوروبية، مشيراً أنّ الطريق الذي ستختاره بريطانيا ستكون له انعكاسات كبيرة على آفاق الجيل الحالي من الأميركيين. وشدد على أنّ عضوية بريطانيا في الإتّحاد الأوروبي رفعت مكانتها الدولية وجعلت الإتّحاد أقوى وأكثر إنفتاحاً، والعالم أكثر حرية وثراءً وأفضل قدرة على التعامل مع كلّ القضايا من العدوان الروسي إلى الإرهاب».
ويوم أمس كرّر أوباما في هانوفر أمام الزعماء الأوروبيين في خطاب تاريخي حمل نبرة تّحدي، وجهة نظره في موضوع الوحدة الأوروبية في ظلّ إرتفاع ما أسماه بالشعوبية محذّراً من أنّ هذه لحظة حاسمة بالنسبة للقارة، وقال إنّ أوروبا قوية وموحّدة هي ضرورة للعالم. وأضاف إنّ التقدم في أوروبا التي تعاني من أزمة هجرة وركود إقتصادي ومواجهة احتمال تخلّي بريطانيا عن الإتّحاد الأوروبي لن يكون حتمياً. كما دعا الأوروبيين لرفض منطق ما سمّاه «نحن في مواجهتهم» (Us-Versus them) الذي غذّى اليمين المتطرف من بولندا إلى فرنسا مشبّهاً هذا اليوم باليوم الذي أنهت فيه الحركات الشعبية الأوروبية الحرب الباردة، كما دعا إلى محو الأثار المدمرة للتعصب والقومية المتطرفة التي أغرقت أوروبا بالدم طوال القرن العشرين. وفي معرض الإدلاء بنظرته حول التسامح بين مختلف الثقافات أضاف أوباما:«إنّ بلداننا تكون أقوى وأكثر أماناً عندما ندمج الناس من جميع الخلفيات والمعتقدات ونجعلهم يشعرون بالوحدة وهذا يشمل مواطنينا المسلمين»
أوباما الشكسبيري الثقافة والهوى في بريطانيا، الوحدويّ التوجّه في ألمانيا والداعية إلى التكامل بين مختلف الثقافات، له في كل مقامٍ مقال. كيف يطبّق توجهاته في سوريا وكيف يضمن وحدة سوريا عندما لا يوافق على إقامة منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، برغم الظروف القاسية التي يعيشونها في لبنان والأردن وتركيا، وبرغم التداعيات الأمنية والإقتصادية على هذه البلدان. وكيف يمكن الجمع بين تسويق إيجابيات الوحدة الأوروبية لضرورات أمنية واقتصادية والسماح بإقامة إقليم كردي في شمال سوريا وتشكيل حكومة خاصة، بل رعاية اتفاق بين دمشق والأكراد يحتفظون بموجبه بالمناطق التي سيطروا عليها خلال الإشتباكات ونقاط أخرى تابعة للقوات النظامية وقوات الدفاع الوطني الموالية دون اعتبار ذلك تهديداً لوحدتها ودو أن يثير ذلك حساسية القوات الروسية للتدخل.
كيف يُمكن الجمع بين دفع الأوروبيين مرغمين لاتّخاذ خيار يتعلق بمستقبل أوروبا الموحدة، ودعوتهم للتسامح واحتضان سائر المواطنين من مختلف الثقافات على قاعدة المساواة، ورعاية تشكيل حكومات وهيئات حكم انتقالي متنافرة ومتناحرة على قواعد مذهبية وخارج أيّة قواعد دستورية سليمة في كلّ من العراق وسوريا؟. كيف يمكن إقصاء مكونات سياسية ووطنية سورية عن المفاوضات تحت مظلة قرار دولي، وتكليف مسؤول الشرق الأوسط في البيت الأبيض روبرت مالي ومبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لابرنتييف، صوغ مبادئ التسوية السورية سياسياً ودستورياً وشكل «سورية الجديدة» وتوفير مظلة تفاهمات يتم تقديمها إلى المؤتمر الوزاري لـ»المجموعة الدولية لدعم سورية» لإصدارها في بيان دولي؟
معهد Center for European Reform”» يعتبر أنّ أوباما يعارض خروج بريطانيا من الإتّحاد الأوروبي لأنّ ذلك يثير مشاكل كبيرة للولايات المتّحدة ويحدّ من قدرة أوروبا على مساعدة الولايات المتّحدة في تسوية القضايا الدولية الكبرى. وربما تعتبر الولايات المتّحدة أنّ شرق أوسط دوله فاشلة كسوريا الممزقة والعراق المفدرل هو مبعث لمزيد من الطمأنينة للولايات المتّحدة في رحلتها نحو بقعة اهتمام أخرى من العالم!.
الرئيس أوباما المعجب بـ «وليام شكسبير» تزامن وجوده في لندن مع الذكرى الأربعمائة لوفاة الكاتب الكبير، حيث زار مسرح «ذي غلوب» لحضور عرض لمشهد من مسرحية «هاملت» يتساءل فيه بطل الرواية «أكون أو لا أكون» ربما بما يتناسب مع املاءاته للأوروبيين، أوباما الذي عبّر سابقاً عن إعجابه بـرواية لمن تقرع الأجراس ” For whom the bell tolls” لإرنست هيمينغواي، التي جسّدت وحشية الحرب الأهلية في إسبانيا مدعوٌ لزيارة سوريا للتحقق أنّ نموذج «روبرت جوردون» موجود في سوريا وأنّ شعب سوريا يرغب بالتمتع بالحياة.