اختار باراك اوباما في خطابه عن “حال الاتحاد”، ان يقدم مطالعة تجميلية ليس لاخفاقاته في السياسة الخارجية التي سبق لوزير خارجيته جون كيري ان وصفها بالانجازات، بل لتأكيد حسنات استراتيجية التواري المتدحرج التي طبقها، بمعنى انه صحيح ان أميركا أقوى لاعب دولي، لكنها لن تنزل بعد اليوم الى ملاعب العالم بل ستكتفي بتقديم الاستعراضات داخل ملعبها.
كان من المثير تماماً ان تتعمد طهران نشر صور البحارة الأميركيين الذين أوقفتهم بعدما دخلوا مياهها الاقليمية، وهم يجلسون أرضاً بطريقة مذلّة تقريباً، قبل أن تطلقهم وتتلقّى مخابرة الشكر على أريحيتها من جون كيري، في الوقت الذي كان اوباما يخطب وسط تصفيق متواصل من مجلسي الكونغرس، بعدما كان الحرس الثوري الايراني قبل ايام قليلة، أمهل سفينة أميركية مدة ٢٣ ثانية فقط، للابتعاد قبل ان يطلق صاروخاً على مسافة ١٥٠٠ متر من البارجة “هاري ترومان”، وعلى رغم هذا تحدث اوباما عن انتصاره عبر الاتفاق النووي مع الايرانيين وقوبل بتصفيق قوي.
على سيرة التصفيق أُتيح لي ان أشهد قبل ايام، نقاشاً في “لوس ألتو” بمنطقة سان فرانسيسكو دار بين عدد من الأميركيين تعليقاً على دموع أوباما، التي سالت يومها وهو يتحدث عن ضرورة ضبط حرية الأميركيين في امتلاك السلاح، بعضهم استهول ان يذرف الرئيس الدموع كثكلى وبعضهم كاد ان يشاركه في البكاء، فهذه هي أميركا عندما تبدو من كوكب آخر.
مضحك أن تدعو ميشيل أوباما العالم السوري رفاعي حمر الذي لجأ الى أميركا قبل أعوام لسماع الخطاب، في حين لم تحظَ الأزمة السورية التي تقذف بملايين اللاجئين ما تستحق من خطاب اوباما ولا من سياسته اصلاً، وما يثير الخيبة ألا تحظى القضية الفلسطينية باشارة أو بحرف من خطابه، على رغم طوفان وعوده الزهرية باقامة الدولة الفلسطينية!
الذين شاهدوا التصفيق الاستعراضي المتلاحق يقاطع كلام أوباما الذي أعلن صراحة استقالة أميركا من العالم، تذكروا التصفيق الذي يقابل دخول بشار الأسد الى مجلس الشعب… غريب فعلاً أمر أوباما حين يعلن اسقاط النظرية التي تدعو أميركا الى دعم كل دولة تتعرض لأزمة، معتبراً ان “هذه ليست قيادة بل سياسة تقودنا الى المستنقع وتهدر دماء الأميركيين وهذه دروس تعلمناها في فيتنام والعراق”!
اذاً انسوا اميركا، فاوباما يتجاوز الرئيس مونرو في الدعوة الى استقالة أميركا من المسرح الدولي، لكنه لم ينسَ ان يغسل أيديها من دماء منطقتنا معتبراً ان “الشرق الأوسط في مرحلة تحوّل حرجة ستستمر جيلاً كاملاً، وان أسباب نزاعاته تعود الى آلاف السنين”… ولا دخل لآبانا الذي في البيت الأبيض لأنه لم يرسل شياطينه قط الى منطقتنا!