كان للفتى ستة أخوة: مالك أوبونغو، مارك أوكوث ندسانجو، ديفيد ندسانجو، جورج، برنارد وآبو. وكانت له اختان، مايا سوتيرو نج، وأوما. والفتى نفسه أعطي اسم والده، باراك اوباما الابن. وكما في حكايات شهرزاد، اصبح باراك حسين أوباما تلك الليلة من حكاياتها غير المعقولة، رئيساً على أهم بلاد الرجل الأبيض. لم يصدق الملك شهريار ما يسمع، لكن شهرزاد وضعت يدها على ركبته وقالت في دلع، ألف ليلة ولم أخدعك يا مولاي، فلماذا أكذبك الحكاية اليوم، فقد بلغني امس، وعمر السامعين يطول، أن ابن حسين أوباما أمضى ليلته الأولى في مخدع لنكولن وكينيدي وروزفلت، وقد جيء له بغطاء صوفي خاص. صحيح أن هذا الكيني من قبيلة اللوو Luo وليس الكي كيو، لكنه طويل القامة مثل عدّاء، طويل الساعدين، اجعد الشعر مثل بحارة نهر الكونغو.
وفي اليوم التالي شاهدت عمته في صفيح نيروبي صور الاحتفال، فهتفت على جاراتها الضاحكات يا بودينغا وادينغا ومريم وسهيلة. أنه هو. إنه ابن أخي. يا له من Luo حقيقي، مزهو بنفسه ويتحدث كالرجال الكبار. كم هو أهل لأن يكون زعيم قبيلة في شرق كينيا. لكن البيض خطفوه وجعلوه زعيماً عليهم Big Chief – اللعنة. إنهم يخطفون شبابنا. وكل ذلك بسبب المرأة البيضاء التي تزوجها أخي باراك حسين. كم كانت نفسه رخوة على النساء. وفي أي حال، فلنحتفل. مامبو..
لم يستهجن باراك حسين الإبن وجوده في جناح روزفلت، بل تأمل الصور على الجدران وهو يعض شفته السفلى، مثل قبيلة اللوو. فرحاً، ومزهواً. وعندما سوف يبلَّغ بعد قليل أنه أعطي ايضاً نوبل السلام، تلقى الخبر في هدوء: ما دامت المسألة كلها أعجوبة لا تصدق، فلتكتمل. وما هي نوبل السلام في أي حال؟ لقد أعطيت من قبل لهنري كيسينجر، وشمعون بيريس، صاحب القنبلة الذرية في اسرائيل.
طفق باراك الفتى يحاول تغيير العالم. قرأ الكثير من الفلسفة وصدق الكثير مما قرأه، والآن لن يخيب آمال لجنة الجائزة في استوكهولم. فاعضاؤها دخلوا مراحل الملل من العمر. وسئموا شبق البشر إلى الموت والقتل والاحتلال والتعدي والسرقة والاستبداد والطغيان. إليكم هذا الفتى المنقذ، القادم من نهايات العبودية، ذلك الحلم السماوي بين امرأة بيضاء ورجل من شرق أفريقيا، المنطقة التي يقول أحد المعتقدات إنها جنّة عدن. الجنة.
عندما ذهبتُ إلى نيروبي ورأيت الاشجار والأنهار والزهر والجبال وبنات أوغندا القادمات إلى هنا بحثاً عن “المصادفات”، كدت أصدق هذه النسخة من اخبار الجنة. ولكن في هذه الجنة يستحيل ان يفوز ابن باراك حسين بالرئاسة. ليس من قبيلتنا. ولا تنفعه هارفرد وايلينوي. ولا حركة الحقوق المدنية.
لذلك، نقل مكان المعجزة إلى بلاد “جذور”، آرثر هيلي. ظن باراك الإبن، وقد حلّت عليه البركة حقاً ووضعت في بنصره الخاتم السحري، أنه سوف يغير هذا العالم ويملأهُ سلاماً وقمحاً: ذهب إلى القاهرة ليلقي منها اكثر الخطب براعة وتأثراً. أرسل جورج ميتشل إلى النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي على وجه السرعة. وبدأ بكنس آثار جورج دبليو بوش من البيت الأبيض: إنسحاب فوري من العراق، انسحاب لاحق من عند الملا عمر في أفغانستان، وقف طباعة التريليونات. البحث عن عالم سعيد.
مع مضي الأيام في البيت الأبيض، ابيضَّ الشعر الأجعد قليلاً. وما زال يعض شفته السفلى، ولكن ليس تشاوفاً، مثل قبيلة اللوو، بل ندماً، مثل اسلافه. مثل صديقيه الديموقراطيين، جيمي كارتر وبيل كلينتون، اللذين قررا أن يخرجا من البيت الأبيض بتاج الشرق الأوسط، فخرجا بلعنته.
في أيلول الماضي قرر أن يسجل سابقة سهلة. أن يكون هو أول رئيس يجري مقابلة صحافية مع الروائية ماريلين روبنسون لمجلة “نيويورك ريفيو أوف بوكس”. يجب الاصغاء إلى شريط المقابلة، لا قراءتها. أن تبحث في رنة صوت الرئيس أمام المرأة التي أُعجب برواياتها، الباعثة على الأمل والعائدة إلى زمن الرواد والصفاء البروتستانتي. في هذه المقابلة المليئة باسماء الفلاسفة وأبيات من ييتس وأودن، يظهر الشرق الأوسط مرة واحدة، ليقول الرئيس للروائية ما خلاصته: “آه، الشرق الأوسط. النزاعات هناك ليست من القرن الماضي. إنها من القرن السابع”.
هذا هو عام أوباما السابع والأخير، رئيساً على أميركا، وقائداً أعلى لقواتها المسلحة، وحاملاً مفتاح قوتها النووية، القادرة على تدمير الكوكب الأزرق عشر مرات. لا شيء من هذا. مثله الحقيقي، في حقيقة الأمر، كان نبيلاً مثل نلسون مانديلا، أو حالماً مثل مارتن لوثر كنغ. لذلك، اعتبر أن وقف انتشار النوويات في الشرق الأوسط، هو الإنجاز الذي يمكن أن يخرج به. الأسلحة الأخرى يمكن حصر رعبها، فيما تتوسع وتتعاظم مسالك الرعب والارهاب، وتمتلىء اليابسة والمياه، حفاة وجائعين وهاربين وغرقى وقرارات دولية.
اعتاد باراك اوباما أن يشاهد، تقريباً كل يوم، أعلام اميركا تُحرق في العالم العربي. أو تظاهرات تتقدمها يافطة كُتب عليها: “طز في أمريكا”. وأخرى ضد اسرائيل، ولكن تُحرق فيها أعلام أميركا كذلك. وقال في نفسه إن أفضل ما يفعله، لأميركا وللعرب، هو سحب الجنود والسفن والأساطيل، وقبل أن يكمل العملية، راح يفرك عينيه وأذنيه: العرب يتساءلون، أين اميركا؟ أين جيوشها؟ والعراق، العراق نفسه، يعاتب واشنطن، أين انتم يا جماعة، كيف تتخلون عنا في مثل هذه السهولة؟ ومن المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، هبّة واحدة، غالباً مضرية: أمريكا، أين انتِ؟ يا امريكا هل يُعقل أن تُرسلي إلينا 50 جندياً فقط؟ يا أمريكا هل تداعبين داعش أو تقاتلينه حقاً؟ وتوقف باعة الأقمشة عن صنع الأرباح من الأعلام الاميركية المحوكة خصيصاً للدوس والإحراق.
لم يحدث الانقلاب السياسي فقط في القطاع المألوف، بل رأى أوباما رجلاً فاقع الوقاحة من اسرائيل، يذهب إلى واشنطن ويخطب في الكونغرس ولا يلقي التحية على الرئيس الرابع والأربعين. حتى آداب الأعتاب والبيوت. حتى أداب الحمامات التركية، لم يلحظها “ملك اسرائيل” الذي فاز في المرة الأولى بأصوات السجناء والمحكومين.
ليس من معجزات في الشرق الأوسط. هناك فقط هتافات وتظاهرات ويافطات من النوع الذي رُفع في طرابلس الغرب، بقلم صاحب “الكتاب الأخضر”. وهناك فوضى بلا حدود، وكوارث تتكرر مثل الجهل والغباوة، وآفاق مسدودة، وعقول مقفلة، واندلاق عام على الخراب والقتل والانتحار والثأر والانتقام. ثمة قصيدتان رائعتان لـ تي. اس. ايليوت، الأولى عنوانها “الأرض اليباب”، الثانية “اربعاء الرماد”. منذ أن افقنا في هذه المنطقة، وخيارنا لا يتغير: اليباب أو الرماد.
كعادتنا الأبدية، ننتظرهم من الغرب، فيأتون من الشرق. بدل أوباما الخائف والمتراجع، جاءنا فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، الذي وصلت راياته المرفوعة إلى طريق بعبدا ليدخل معركة الرئاسة. رجل معتاد الاملاءات حتى عندما يخاطب أصدقاءه: “على الأسد أن يقبل ما لا يعجبه”. خرجت أميركا من العراق، وأقفلت سفارتها في سوريا، وانحسرت في مصر، فجاء الاسطول الروسي وغواصاته إلى المتوسط. وعاد “الخبراء” الروس إلى القاهرة. ولم يعثر باراك أوباما لنفسه حتى على غلاف في “التايم” التي اختارت أنغيلا ميركل، سيدة أوروبا الأولى، لغلافها السنوي. سحبوا من أوباما الافريقي حتى “حلمه الاميركي”، أي غلاف في “التايم” الذي هو حدث سنوي مثل جوائز نوبل. وفي أميركا مثل “عيد الشكر” وعشاء الديك الحبشي.
بكَّر أوباما الافريقي في الوصول، فلم يستطع أن يفقه شيئاً من لغة العالم. استطاب النوم في مخدع بيل كلينتون، بدل أن يمضي الليل في قراءة مدوناته: كيف وعده العرب ودلله الاسرائيليون، ثم، كل على طريقته، ركله على قفاه ضاحكاً. هذه منطقة، السلام فيها عار، والحرب شهامة. كان عنترة يا باراك، أسمر مثلك، وكان عبداً ابن جارية وعبد، فلماذا تعتقد حررناه؟ قال له والده شداد، كر وانت حرَّ. الحرية هي الحربة. الحب هو الحراب.
قرأ باراك اوباما كل هذا التاريخ متأخراً. وفي متاهته الكبرى اختار أن ينأى وينصرف إلى قراءة “مائة عام من العزلة” ومحاورة ماريلين روبنسون. الرجل الأسود له أحلام بيضاء. المسز روبنسون (غير المسز روبنسون في فيلم “المتخرج”) تمثل أحلامه وعقده. عصر الرواد البيض الذين قهروا الشر وأعلوا الفضيلة. ولكن هل هذا هو العالم حقاً، حتى في “الحلم الاميركي”؟ يا باراك، كان يجب أن تقرأ التاريخ قبل أن تحصل المعجزة. لو فعلت، لعرفت أن الحياة غير السينما. في السينما يفعل البطل كل شيء عنك وانت جالس في كرسيك المخملي، يدك في يد صديقتك، أو في كيس “بوشار”. يقاتل عنك. يتسلق عنك “افرست”. يهزم الهنود الحمر على رغم أنه في قعر الوادي وهم في أعلى الجبل. الحياة لا علاقة لها بالسينما يا باراك. ليتك سألتنا في هذا الشرق. في هذا المشرق. ألم تسمعه يقول، مملكته ليست من هذا العالم. وكان يقصد طبعاً هذا الجزء من العالم على وجه الضبط. على وجه الضبط.