يدّل ردّ الرئيس باراك أوباما على التهويل الأسدي بالتصدي للطائرات الأميركية إذا دخلت الأجواء السورية من «دون إذن مسبق»، على مدى جدّية القرار المُتخذ بالحرب ضد «داعش»، وعلى مدى ترسّخ التوجه القائل بأن سلطة الأسد فقدت وظائفها بعد أن فقدت شرعيتها، وأن عدم التعرض المباشر لها راهناً، لا يعني القبول بإعادة تأهيلها ولا باعتبارها صالحة، لا تزال، من أجل أي دور في مستقبل سوريا.
ردّ أوباما عبر صحيفة «نيويورك تايمز» تميّز، كما كان مرتقباً، بشراسة المتردد المضطر الذي تكون ضربته (مرة أخرى) حاسمة ولا تحتمل التأويل. خصوصاً أنه ذهب الى الآخر من دون أي هوامش، متحدثاً بالحرف عن تدمير الدفاعات الجوية الأسدية «عن آخرها». إذا «فكّر» الأسد بإطلاق النار على الطائرات الأميركية.
بلاغة الرسالة في ذاتها وفي تفسيرها. بحيث أن أوباما لا يعرف فقط ماذا «يفعل» الأسد وإنما أيضاً يعرف بماذا «يفكر»! ويتوعّده بالحساب على مجرّد ارتكابه تلك المعصية في غير موضعها! ومع ذلك، فهو يعرف حقيقة وضع الدفاعات الجوية السورية والى أي درك أوصلها الأسد. ولأنه كذلك فهو يخاطبه كمنهك وضعيف كي يسمع حماته ومؤيدوه الذين يشعرون، أو بالأحرى يُشعرون الآخرين، بأنهم أصحّاء وأقوياء، وقادرون على «مراقبة» حملة الائتلاف ضد «داعش» كي لا تخرج عن مسارها!.. أي أنه يردّ في الواقع بتلك الطريقة الحاسمة على مجمل الكلام التهويلي والشرطي الذي صدر عن دول «محور» الممانعة في الأيام الماضية بعدما تأكدت من رفض طلباتها واستجداءاتها للمشاركة في الحرب على الإرهاب.
.. وكأن أوباما يعرف، أن التهويل المضاد من قبله، يكفي في ذاته، كي يتجنّب أي أمر عملي حربي. وأن الآخرين يعرفون أنه يعرف ذلك، ويستطيعون التمييز بين الجدّ والمناورة. وأنه هذه المرة، جدّي ولا يناور!
والواقع هو أن لا سقف يحدّ لجاجة وغرابة وخطاب ذلك «المحور». ولا موانع تصدّه عن الإيغال في مجافاة المنطق. وإلا كيف يمكن، بغير ذلك، تفسير طلباته التي تعني في خلاصتها أن حرب الائتلاف ضد «داعش» ستكون في الواقع، أو «يُفترض» أن تكون، حرباً لخدمة سلطة الأسد! وأن تتحول إدارة أوباما ومعها كل الدول التي اجتمعت في جدّة ومن ثمَّ في باريس، بكل إمكاناتها، الى جيش رديف يخدم في صفوف تلك السلطة! ويقاتل نيابة عنها! ويدفع الى «انتصارها» على أعدائها!
.. لجاجة آتية من مدونة سلوك مألوفة. أساسها نكران الحقائق والمكابرة في رفض تداعياتها. والذهاب الى الحدود الأخيرة في المناورة. وعدم تقديم فروض الاحترام لأي معطى أخلاقي أو إنساني أو مادي في المواجهة. وعدم التوقف عند أي قانون يدلّ على احترام العقل في البلاغ والبيان والتبليغ!
من تلك المدوّنة تأتي وقاحة طلب اعتبار الأسد جزءاً من التحالف الإقليمي الدولي ضد الإرهاب. ولهذه الوقاحة شقيقة واحدة مماثلة أكبر منها عمراً تفيد بأن الثورة السورية ليست سوى شغل عصابات إرهابية تكفيرية من الأساس. وأن الأسد «خدم» الكرة الأرضية عندما مسح عمران سوريا بالأرض وأنزل بالشعب السوري نكبة لا سابق لها باعتباره في مجمله عصابة إرهابية ليس إلاّ!