IMLebanon

لامبالاة أوباما بإجرام الأسد

 عندما بدأت عمليات «داعش» الإرهابية في سورية تشتد في حزيران (يونيو) الماضي، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه لم يضع بعد استراتيجية لسياسته في سورية. ويوم الأحد الماضي رأى وزير خارجيته جون كيري أنه في النهاية «سنجبر على التفاوض» مع بشار الأسد، فيما أسرعت الخارجية الأميركية في اليوم الثاني للقول إن موقف كيري لا يمثل تغييراً في السياسة الأميركية، وإن الولايات المتحدة لن تتفاوض مع بشار الأسد. غريبة هذه المواقف المبهمة من إدارة أوباما التي كانت راغبة في بداية الحرب السورية في التوجه مع الحليف الفرنسي لضرب عصب نظام الأسد ومنعه من الاستمرار في تصفية أبناء شعبه بالكلورين الكيمياوي، ثم تراجعت فجأة بتغيير رأي رئيس أثبت أنه أسوأ من سلفه بالنسبة إلى سياسة الشرق الأوسط.

إن حلفاء أوباما، وفرنسا في طليعتهم، يعانون الكثير من هذا الوضع الأميركي الذي ليست له استراتيجية تجاه ما يجري في سورية من عنف وقصف يرتكبه النظام منذ بداية الحرب. والهاجس الأميركي هو محاربة «داعش» في العراق وسورية، حتى إذا كانت هذه الحرب تعني أن القوات الأميركية وحلفاءها ستكون إلى جانب قوات قاسم سليماني قائد القوات الإيرانية، فحتى آية الله السيستاني ينبذ تبعية شيعة العراق إلى إيران. لكن استعادة تكريت من القوات العراقية بمساعدة أساسية من سليماني وفيلقه المتحرك بين العراق وسورية، تعني أن إدارة أوباما لا تمانع في تسليم المنطقة إلى إيران. حتى أن مسؤولاً عربياً كبيراً تخوف منذ الصيف الماضي من أن اوباما يريد من هذه الحرب ضد «داعش» تسليم المنطقة إلى إيران. أوباما غير مهتم بما يفعله النظام في سورية من جرائم وقتل وقصف بالبراميل، فهذا النظام ليس مشكلته، وهو يحتقر المعارضة المعتدلة كما نقل عنه، فهو غير معني بجرائم نظام الأسد ولا بسورية عموماً. هو معني بالحرب ضد «داعش» ويريد إدخال فرنسا إلى جانبه في سورية ضد هذا التنظيم، ولكن الرئيس فرانسوا هولاند مستاء من سياسة أوباما وتفاوضه الثنائي مع إيران من دون وضع فرنسا في صورة دقيقة لما يحصل، فموقف هولاند من الوضع في سورية جيد، وهو يحاول قدر الإمكان التحدث مع الروس لإقناعهم بالتخلي عن الأسد. أما أوباما، فبقاء الأسد لا يزعجه، لأن المسالة ليست من أولوياته، فقاسم سليماني ومعلموه في طهران ليسوا أقل إجراماً من الأسد، وهم يحاربون مع الأسد على الأرض السورية شعباً يقتله ويهجره الأسد، ورغم ذلك فأولوية أوباما أن يسجل التاريخ أنه الرئيس الأميركي الذي أعاد العلاقة مع إيران وقد يكون أكثر من ذلك، فهو الرئيس الأميركي الذي سلم منطقة الشرق الأوسط لإيران، من العراق إلى سورية ولبنان، وربما اليمن.

صحيح أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى التي بإمكانها الكثير وإنما هي دائما تخيب أمل أصدقائها، لأن سياساتها في منطقة الشرق الأوسط كثيراً ما تكون حمقاء، فهي تدفع أصدقاءها إلى الابتعاد عنها وعدم الثقة بما تقوله لهم. وأحيانا تكون الاستقلالية عنها مفيدة لبعض حلفائها، ففرنسا رفضت ضغوط الولايات المتحدة لخوض معركة في سورية ضد «داعش» تكون لحساب النظام، لأن سياستها واضحة، فلم نسمع يوماً وزير الخارجية لوران فابيوس يقول علينا أن نفاوض بشار الأسد مثل نظيره الأميركي، فالموقف الفرنسي ثابت حتى لو أن أربعة نواب فرنسيين ذهبوا للقاء الأسد بمبادرة خاصة لا علاقة لها بسياسة بلدهم. إن غياب أي استراتيجية أميركية إزاء النظام في سورية يعني أن عذاب الشعب السوري تحت حكم الأسد لا يعني أوباما، فانشغالاته ليست في هجرة ملايين السوريين ومقتل أكثر من ٢٠٠ ألف سوري. الآن الأهم عودة العلاقة مع إيران، فهذا هو هاجس أوباما وبعض الأوساط الأميركية الشديدة التعلق بالتراث الإيراني، ناسية أن نظام خامنئي هو الذي بدأ تصدير الثورة الإسلامية.