IMLebanon

إرث أوباما!

في خلاصة المطالعة الخاصة بالسياسة الخارجية التي اعتمدها الرئيس أوباما على مدى عهديه ونُشر ملخّص عنها عبر حوارات في مجلة «أتلانتيك»، تأكيد منه لأحكام أصدرها آخرون في حقه! وأغربها (وأكثرها واقعية) هو أن هذا الرجل كان يمكن أن يكون محامياً ناجحاً، أو أستاذاً جامعياً متميزاً، أو مديراً لشركة تجارية.. أو مقدّم برامج تلفزيونية أكثر ثقافة من أقرانه، لكنه لا يصلح لأن يكون رئيساً لأكبر (وأخطر) وأهم دولة على وجه الأرض!

وانعدام الصلاحية لا يتعلق بمستواه الفكري أو الثقافي، بل لأنه يتمتع بذلك المستوى! ولأنه بالتأكيد، يملك عقلاً جدلياً ومركّباً لا ينم عن أي ضحالة.. لكن المشكلة، ان هذا النوع من البشر يتسلى كثيراً مع حاله وينسى وظيفته! وينشغل كثيراً بآرائه وأفكاره واستنتاجاته الخاصة وينسى «الشأن العام»! 

والمشكلة، الأكثر فجاجة هي انه (في حالة أوباما) يفترض قدرة في ذاته، على أدلجة الفشل السياسي. وعلى فذلكة السقطات الاستراتيجية من خلال الإكثار من الثرثرة وتقديم التبريرات! ثم تلميع مثالب التردد وعدم الحسم وادعاء العجز، باعتبارها فضائل موازية لتلك القائلة بأن أفضل طريقة لتجنب الخطأ هي الامتناع عن القيام بأي شيء! أو اعتبار الاشتغال على معالجة فشل الآخرين طريقاً وحيداً للنجاح الذاتي!

هذا رئيس لأكبر دولة في العالم، لكنه تصرف ويتصرف وكأنه يدير شركة، مهمته فيها هي أن يضمن دائماً عدم تسجيل خسائر في موازنتها.. بغض النظر عن الأسلوب المعتمد للوصول الى هذه الغاية!

وأخطر ما في هذه الحسبة، هو أن مستر أوباما تمكن (ربما) من إنقاذ الشركة لكنه أهلك السوق كلها!

أراد أن يهرب من مستنقعي أفغانستان والعراق، فأوقع العالم في أتون أزمات كبرى، تمتد من كوريا الشمالية الى أوكرانيا والقرم الى سوريا، وصولاً الى تنمية نتعات الاحيائي الروسي بالعودة الى عصر الحرب الباردة.. الشاملة!

وأراد معالجة الهم النووي الإيراني، فأسقط المنطقة برمّتها في قبضة المخيال المذهبي الإيراني! وأراد أن يُحارَب الارهاب، عبر حصره في دائرتي العراق وسوريا، فأوصل الارهاب إلى قلب أوروبا! وأراد تقديم مقاربة تسووية للنزاع العربي الإسرائيلي، فإذ به لا يكتفي بحصد فشل غير مسبوق عند أي إدارة أميركية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، بل يطيح تقريباً معظم ما تحقق في هذا المسار على مدى ربع قرن!

نكبة سوريا كانت ذروة عقيدته و»انجازاته». وفيها أكثر من غيرها، أظهر بكثافة، خصاله كمدير شركة ناجح وثرثار، أكثر من كونه صاحب أخطر وظيفة في العالم، ورئيساً لدولة تمتد مصالحها على مدى جغرافية الأرض.. يدافع عن قراره بعدم معاقبة بشار الأسد على استخدام الكيماوي ضد المدنيين السوريين، لكنه يتجاهل حقيقة ان ذلك فتح الباب أمام فصل جديد من هذه النكبة. وحوّل سوريا الى حقل جاذب لكل إرهاب فعلي ومفتعل! وأوصل أوروبا الى مواجهة أخطر أزمة نازحين في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية! وسمّم المنطقة من أولها الى آخرها. ومكّن روسيا من الخروج من أسر العقوبات التي فُرضت عليها نتيجة بلطجتها في أوكرانيا والقرم. وأطلق العنان، قبل ذلك وفوقه لاستمرار أفظع مذبحة بشرية في التاريخ الحديث!

.. نجح في الهروب من «حروب صغيرة»، وفي الحفاظ على معادلة صفر أكلاف مادية وبشرية مرحلياً، لكنه فشل في تجنيب بلاده والعالم، بعد إدارته، دفع أكلاف حروب ومواجهات وأزمات، لن يكون الإرهاب (على ما يبدو) سوى تفصيل بسيط فيها!