منذ سقوط منبج في صيف العام 2016 في أيدي «قوات حماية الشعب» الكردية، وتركيا تنتظر تنفيذ «وعد» أميركي بإعادة المدينة إلى أهلها العرب السوريين..
الوعد قدّمته إدارة السيّئ الذكر باراك أوباما، وحاولت من خلاله (ونجحت!) في تخفيض حرارة الاستنفار التركي إزاء سيطرة الكرد على مدينة مركزية في الشمال السوري يمكن أن تكون جزءاً من شريط يمتد على طول الحدود ويُهدّد، من وجهة نظر أنقرة، أمنها القومي وتماسكها الاستراتيجي.
إلى اليوم طبعاً لم يُنفّذ ذلك الوعد. ولا يزال الأمر موضع تجاذب سياسي وإعلامي عنيف بين الأتراك والأميركيين الذين اعتبروا (ولا يزالون) أن القضاء على «داعش» أَولَى وأهم من هواجس الأتراك. وأن القوات الكردية المدعومة من قبَلِهم لعبت دوراً مركزياً في دحر التنظيم الظلامي في أبرز معاقله السورية.. وأن شؤون العلاقات مع حكومة رجب طيب أردوغان ستبقى محكومة بالإبهام والالتباس حتى إشعار آخر!
سرت مياه عكرة كثيرة في مجرى نهر هذه العلاقات. ولم يغيّر وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في هذه الحقيقة برغم كثرة تبرّمه من أداء سلفه الديموقراطي.. بل ربما ازدادت الوحولَة أكثر في مياه ذلك المجرى! وليست عملية «غصن الزيتون» الراهنة سوى أبرز الدلالات على تلك القتامة غير المسبوقة بين حليفَين استراتيجيَّين، أو يُفترض أنهما كذلك.
كأنّ الأتراك يدفعون ثمن أجندة أميركية راهنة، مثلما دفع الجانب العربي (والسوريّون) ثمن أجندة أميركية سابقة: هاجس القضاء على الإرهاب أولوية قصوى عند إدارة ترامب، ومن أجلها تهون «هوامش» كثيرة من بينها الاستمرار في تصديع العلاقات مع تركيا وإبقائها في نقطة ملتبسة وربما غير مفهومة! وهاجس القضاء على مشروع إيران النووي كان أولوية قصوى عند إدارة أوباما ومن أجلها هانت أرواح السوريين ونكبتهم! ومصائر العرب والأكثرية الإسلامية واستقرار الدول التي استهدفها الجموح الإيراني بكل الطرق التخريبية الممكنة!
لكن مثلما أمكن الجانب العربي، الخليجي خصوصاً، التمايز، تحت سقف التحالف عن أداء إدارة أوباما، وترجمة ذلك في البحرين واليمن من خلال التصدّي المفتوح للعدوان الإيراني.. فإنّ الأتراك اليوم وتحت سقف التحالف، برغم كل منغّصاته، يحاولون التمايز عن الموقف الأميركي ويعتمدون في ذلك سياسة مفتوحة على كل الاحتمالات إنطلاقاً من شعورهم (أو إدّعائهم) أنّ أمنهم القومي الاستراتيجي في خطر!
الفارق الجوهري، هو أنّ الجانب العربي تصدّى في أرضه للمشروع العدواني الإيراني، قبل أن يأتي الأميركيون مع ترامب إليهم. في حين أنّ الأتراك يذهبون إلى سوريا (والعراق بشكل مختلف) للتصدّي لما يسمّونه «مخاطر الإرهاب الكردي» عليهم.. ومن غرائب هذه المرحلة المعقّدة، هو أن يكون القرار التركي بالذهاب إلى مدينة منبج «لتحريرها» ولاّد احتمالات صاعقة من نوع الاصطدام المباشر مع الأميركيين في المدينة؟!
هذه فوضى قد تكون محسوبة.. لكن كوارثها المتناسلة ما كان لها لتتصاعد وتستمر لو لم يمرّ ذلك الأوباما على البيت الأبيض، ويصبغ أحوال هذه المنطقة الكئيبة بأدائه الكالح!