مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام في أميركا أجمعت على أن الرئيس باراك أوباما وجّه قبل أسابيع إلى المرشد والولي الفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي رسالة خطية. والبيت الأبيض لم ينفِ هذا الأمر وإن كان لم يتوسّع من نطق باسمه في تفاصيل ما تضمنته. ولم يوجه معظمها اللوم إليه بسبب مبادرته هذه، ولم يتساءل عن سبب تجاهله الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني صاحب الشخصية المنفتحة، والداعي منذ اعتلائه سدة رئاسة الجمهورية إلى حل الملف النووي الشائك الذي ضاعف من تردّي العلاقة بين بلاده والعالم والذي انعكس عليها سلباً بعد العقوبات المتنوعة التي فرضها العالم عليها والصعوبات الإقتصادية التي نتجت من ذلك وعن الانخفاض المريع في اسعار النفط الذي يرجّح كثيرون أن يكون الدافع الأساسي إليه الضغط عليها وعلى صديقها الدولي روسيا الاتحادية. ذلك أن الأميركيين كما كل العالم يعرفون أن القرار النهائي في إيران وفي القضايا والمشكلات كلها كبيرة وصغيرة هي للمرشد والولي الفقيه لا لروحاني. كما أن معظم مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام لم يستغرب أن يثير أوباما في رسالته لخامنئي المفاوضات النووية الدائرة بين المجموعة الدولية 5+1 وإيران والحملة التي تقودها بلاده على مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا والإرهاب الذي ينشرونه فيهما وفي العالمين العربي والإسلامي، والذي قد يتوسَّع ليشمل العالم. لكن ما أقلقها وجهات أميركية كثيرة غيرها هو ما تقترحه أو بالأحرى ما توحيه من تغيير في استراتيجيا أوباما حيال الشرق الأوسط والتنظيمات الإرهابية والدول التي تقاتله بالتحالف مع أميركا، كما الدول التي تستفيد منه لتغيير الموقف السلبي منها الذي اتخذته أميركا منذ بداية ما سمي “الربيع العربي” وتحديداً في سوريا والعراق. ومصدر القلق هو الآتي:
1 – إبلاغ أوباما إلى خامنئي أن أي تعاون بين أميركا وإيران ضد “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى يتوقف وبدرجة كبيرة على توصّل إيران والمجموعة الدولية 5+1 إلى اتفاق حول ملفها النووي. ويتوقف أيضاً على تهدئة قلق إيران على مستقبل حليفها نظام سوريا ورئيسه بشار الأسد. ويشير الأمران في الوقت نفسه وإن ضمناً إلى قبول أميركي نهائي بالنظام الإسلامي الإيراني وبعدم السعي إلى تغييره.
2 – تبدو الرسالة مخصصة لطمأنة خامنئي إلى أن أميركا لا تشكّل تهديداً لمصالح إيران في العراق وسوريا، وإلى أن واشنطن مستعدة للتعاون معها في الدولتين في مقابل توقيعها إتفاقاً حول النووي مع المجموعة الدولية قبل 24 تشرين الثاني الماضي. علماً أن الإخفاق في ذلك لا يلغي المضمون الإيجابي للرسالة حيال إيران، وخصوصاً بعدما تمّ الإتفاق على تمديد مهلة التفاوض سبعة أشهر جديدة وبعدما أظهرت واشنطن وطهران رسمياً وعلانية تمسكهما ليس بالتفاوض فقط بل بالتوصل إلى اتفاق.
3 – تعني الرسالة بمضمونها المتنوع أن أوباما يعتبر نفسه في حال “انفراج” (Détente) مع إيران. وهذا يعني أن هناك تشوشاً في استراتيجيته. إذ إن إيران صارت أو قد تصير شريكاً محتملاً في سوريا والعراق في حين أنها جزء مهم وكبير من المشكلة في كل منهما. ذلك أن دعمها اللامحدود للأسد أطال الحرب الأهلية السورية. كما أن دعمها للميليشيات الشيعية المذهبية في العراق ساهم في تكوين الموقف السنّي العراقي الرافض هيمنة إيران والشيعة على العراق، ومن شأن ذلك كله تنفير الحلفاء العرب لأميركا والمعارضة السورية وربما إضعاف دعمهم لأميركا في حربها المعلنة على الإرهاب في المنطقة في إطار “التحالف الدولي” الذي تقود.
4 – لا يطابق مضمون رسالة أوباما لخامنئي رؤيته لعراق موحّد يضم كل أبنائه ومكوِّناته (Exclusive). كما لا يطابق مطالبته العلنية بتنحّي الأسد. مع العلم أن البعض يعتقد أن إيحاء أوباما أن بلاده ستتكيّف مع سياسات إيران ربما كان القصد منه تخفيف الضغط عنها لكي تُنجز “نقلة” استراتيجية.
5 – إن إذابة الجليد بين أميركا وإيران وإعادة دفءٍ ما إلى علاقتهما يمكن أن يساعد في توفير الاستقررا في الشرق الأوسط. لكن الاستقرار يتوقف أيضاً على تخفيف إيران طموحاتها وسياساتها الاقليمية.
في اختصار يرى الأميركيون أو غالبيتهم أن ما يحتاج إليه أوباما ليس رسالة أخرى إلى خامنئي بل استراتيجيا شرق أوسطية تواجه بفاعلية كل التهديدات لبلاده ومصالحها ولحلفائها ومصالحهم وتطمئن هؤلاء.