يتابع الرئيس الأميركي باراك أوباما ما يجري من صراع عنفي في الشرق الأوسط بين السنّة والشيعة، ومن ثورات تحوّلت حروباً أهلية في عدد من دوله، ومن صراعات سياسية وحروب بالواسطة بين دوله، ومن استشراء الأصوليات الإسلامية ومعها الإرهاب، ومن تفكك أو انحلال مبدئياً في دول أخرى منه، ومن صراع حربي مزمن بين العرب والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، ومن حرب سافرة ولكن بالواسطة بين بلاده وإيران الإسلامية، ومن حرب باردة متجددة مباشرة بينها وبين روسيا، ومن انتقال الإرهاب من المنطقة المذكورة إلى دول العالم. يتابع كل ذلك مباشرة وبواسطة إدارته والأجهزة الأمنية المتنوعة في بلاده وقواته المسلّحة، ودافعه إلى المتابعة هو فقط الحرص على مصالح بلاده، ومحاولة حماية مصالحها الشرق الأوسطية في طريقة أو أخرى المرتبط كثير منها بمصالح حلفائها فيها وفي مقدمهم إسرائيل. لكن ذلك لا يعني على الإطلاق أنه يشعر بالسعادة للتعاطي مع الكمّ المذكور من المشكلات والصراعات والأزمات والحروب والأخطار المحتملة على بلاده وشعبها في منطقة صغيرة من العالم وإن بالغة الحيوية. هذا ما يقوله متابعون جديون من واشنطن للرئيس الأميركي ولحركته وإدارته في الشرق الأوسط. ويضيفون قائلين إنه ربما لا يريد أن يسمع به وبمشكلاته وخصوصاً بالأزمة السورية. ذلك أن ما يهمه في هذه المرحلة على الأقل هو اعتماد سياسة الممكن لترتيب الأوضاع في العراق، نظراً إلى الضرر الكبير الذي يمكن أن يلحقه بالمصالح الأميركية بل بالعالم تمدُّد “داعش” فيه، وانهيار الدولة في العراق على رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والتضحيات التي قدمها جنودها ومدنيوها خلال عشر سنوات فيه. فضلاً عن أن تفكك العراق لا بد أن يهدِّد وعلى نحو دراماتيكي العربية السعودية والأردن والكويت وإيران وتركيا وحتى سوريا.
أين سوريا من تحرُّكات أوباما ونشاطاته؟
ليس عنده خطة حاسمة لإنهاء حروبها وإزالة الأسباب التي أدت إلى نشوبها. كل ما في جعبته حتى الآن، يقول المتابعون أنفسهم، خطوات محدودة لإنقاذ ماء الوجه وإبعاد التهديد عن الدول المجاورة لها. ويعني ذلك أن الاستنزاف سيكون سيد الموقف لمدة طويلة، إذ سيصيب النظام فيها وحلفاءه الروس والإيرانيين و”حزب الله”. كما أنه سيدمّر قوة الجماعات الإرهابية الإسلامية. والوقائع الميدانية التي سيخلِّفها قد تفرض المشهد النهائي للمنطقة، وربما تهيّئ لصورتها الجديدة. ويضيفون أن الذعر الذي أصاب أوروبا والمجتمع الغربي بل الدولي بعد عملية “شارلي إيبدو” في باريس لن يؤدي إلى تغيير دراماتيكي سريع. ويعني ذلك أن العام 2015 البادئ منذ 17 يوماً سيمر بطيئاً حاملاً معه المزيد من الدمار والخراب والدم في سوريا والعراق جراء عمليات الكرّ والفرّ التي لن تحمل أي تطوُّر جديد أو إيجابي.
ألا يغيِّر الاتفاق (الدولي) بين إيران وأميركا على الملف النووي للأولى في التقويم البالغ السواد المفصّل أعلاه؟
هذا الاتفاق، يجيب المتابعون إياهم، سواء بالصيغة شبه النهائية التي يُقال إن اتفاقاً عليها قد تمّ أو بعد إدخال تعديلات عليه تلائم مصالح قوى إقليمية ودولية أخرى، لن يغيّر كثيراً في الاتجاه الذي ستسلكه التطورات. فالفرز المذهبي والتعقيدات الجيوسياسية، وعدم استعداد واشنطن للتورُّط مباشرة وبقوة، وانهماك أوباما في قطف ثمار نجاحه في إعادة النموّ إلى اقتصاد بلاده للمرة الأولى منذ عام 1999، وتركيزه الاهتمام على آسيا والمحيط الهادي، كل ذلك لا بد أن يدفعه أو يمكن أن يدفعه إلى إهمال الشرق الأوسط وقضاياه المعقّدة، وإلى ترك القوى المتصارعة فيه وعليه تصل إلى درجة الإنهاك الكبير.
بعد هذه النظرة شبه الشاملة للمنطقة كيف ترى أميركا أوباما الوضع في سوريا اليوم؟
تقدِّر أوساط أميركية أن 40 في المئة تقريباً من الجغرافيا السورية لا تزال تحت سيطرة الأسد، وأن 40 في المئة منها تخضع للمعارضة على تنوُّع تنظيماتها. ومن هذه النسبة تُسيطر القوى المرتبطة بالغرب على 8 في المئة فقط. أما الـ20 في المئة المتبقية فتقع تحت سلطة قوى شبه مستقلة تنسِّق ولكن بحد أدنى مع النظام مثل الأكراد والدروز والقبائل المقيمة في مناطق محاذية للعراق والأردن. وتعتبر أميركا، في رأي هذه الأوساط، ومعها الدول الغربية كلها زائداً تركيا أن نتيجة معركة حلب ستكون أساسية في تحديد مستقبل النزاع. ذلك أن سيطرة الأسد عليها تعني احتمال سيطرته لاحقاً على النصف الغربي من سوريا بما في ذلك دمشق حيث يعيش نحو 15 مليون سوري.
ما الذي يجعل النظام السوري اليوم في وضع أفضل من وضع أعدائه؟