لم يحظ خطاب حال الاتحاد الأخير في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بالأهمية المعهودة لخطابات الرؤساء الأميركيين في المناسبة. ليس لأن هامش الحركة والمبادرة عنده يضيق في السنة الأخيرة من عهده، وهذا منطق يجد من يرى انه معاكس للواقع لأنه يترك الرئيس الاميركي متحررا من اي ضغوط وتاليا حر الحركة، بل ان اوباما بالذات رسم مسبقا ابتعادا كبيرا عن المنطقة كرسه في خطابه الأخير.
في ظل نقطتين مشتعلتين في المنطقة على نحو خاص احداهما المتمثلة في تصاعد التوتر السعودي – الايراني وترجمة ذلك في دول المنطقة، والنقطة الأخرى متمثلة في الحرب السورية، باتت هاتان النقطتان مؤجلتين الى عهد من سيخلف اوباما في البيت الابيض. التبرير الذي اعطاه للمنطقة بناه على صراعات تاريخية قد تمتد لاجيال، وهي رؤية صحيحة الى حد بعيد يسندها مراقبون في المنطقة بالقول ان الصراع السني – الشيعي القائم هو حرب المئة سنة الجديدة. الا ان المنطقة التي تعاني غياب اجندات واضحة تسمح بتبيان الخط او خريطة الطريق التي يمكن ان تتجه اليه اوضاع تحتاج الى التوازن الذي يمكن ان تجريه الولايات المتحدة، ان من خلال المساعدة في خلق اطار للحوار بين الدول الاقليمية المتنازعة لكون اميركا، على ما فاخر أوباما، هي أقوى دولة في العالم مما يرتب عليها مسؤوليات لم يشأ ان يتحملها، لا عسكريا ولا سياسيا. فثمة من يرى ان الرسالة التي وجهتها ايران إليه قبيل القائه خطاب حال الاتحاد باحتجاز عشرة من البحارة الايرانيين جنبا الى جنب مع تمنعه عن اتخاذ عقوبات سبق ان قال انه يجب اتخاذها للجوء ايران الى اطلاق صواريخ بالستية بذريعة مواكبة تنفيذ ايران للاتفاق النووي وعدم تخويفها قد تسبب في النيل من هيبة الولايات المتحدة، وهذا لا يساعد في دعم تأكيد صورة الولايات المتحدة التي رسمها في خطابه عن حال الاتحاد. اذ ان الاسباب نفسها سبق ان استخدمها اوباما في عز المفاوضات حول الملف النووي الايراني من خلال رسائل طمأنة الى مرشد الجمهورية الايراني حول مصير بشار الأسد، مما سمح بوصول الوضع في سوريا الى ما وصل اليه.
لا ينظر الى الرئيس الاميركي في منطقة الشرق الاوسط من زاوية انجازاته الداخلية لمصلحة الشعب الاميركي، وكثر يرون ان هذه الانجازات التي يفاخر بها كارثة لولايتيه هي مثار جدل حقيقي وليست محسومة كليا، انما ينظر اليه من زاوية دور الولايات المتحدة وموقعها في المنطقة. ومع ان البعض يرى ان اوباما فعل امرا جيدا بعدم الانخراط في المنطقة اقله وفق ما فعل سلفه او كرد فعل على سلفه، ففي المقابل هناك غالبية تحمله مسؤولية الانسحاب الاميركي من المنطقة بحيث خلف فراغا رهيبا شرع المنطقة على اهواء وطموحات كثيرة سعت ايران ولا تزال الى محاولة ان تشغل هذا الفراغ في وجه دول المنطقة مما خلف تنافسا قاتلا على النفوذ. كما خلف فراغا اتاح لروسيا ان تستعيد امجادا غابرة عبر ترك سوريا مساحة للحركة الروسية على نطاق كبير يخشى كثر ان تنعكس في بلورة حل سوري وواقع سوري ميداني. ولذلك تتوق هذه الغالبية الى انتهاء ولاية اوباما لاقتناع كبير بان سلفه سيكون كما كان هو بالنسبة الى ادارة جورج دبليو بوش، بمعنى انه انتهج سياسة مختلفة كليا عن سياسته، وهو الامر الذي يرجوه ويتوقعه المتطلعون الى سياسة اميركية مختلفة بعد انتهاء ولاية اوباما.
احد ابرز المؤشرات التي كان يرصدها المتابعون في المنطقة تتصل بالصراع العربي الاسرائيلي او الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.وهذا غاب عن ادبيات السياسة الخارجية الاميركية لادارة اوباما منذ الرفض القاطع الذي واجه به رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. وغياب ازمات المنطقة عن خطابه يعني عمليا انه ليس هناك ما يمكن ان يطرأ على حيثيات الصراع السني الشيعي، مما يفيد بان هذه السنة الاخيرة من ولايته الثانية مشرعة على المزيد من التوتر والحروب بالواسطة في عدد من الدول في المنطقة، علما ان تفاقم الامور لا يتصل فحسب بمسؤولية الولايات المتحدة منذ انسحابها من العراق في عهد اوباما بعد خطأ احتلال العراق في الدرجة الاولى وهناك دينامية خاصة تتصل بمشكلات المنطقة في عدد من دول المنطقة.
ومع ان اطلاق المفاوضات في الحرب السورية ينبغي ان ينجز خطوات محددة هذه السنة قبيل اجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية في الخريف المقبل، يصعب على مراقبين كثر ان يروا في هذه العملية ابعد مما هو عمليا، اي ما بدا تخليا طوعيا من الولايات المتحدة لروسيا عن هامش تحرك كبير في سوريا على وقع اوضاع صعبة يعانيها كل من العراق واليمن وسوريا كما يعانيها حلفاء مفترضون للولايات المتحدة، اي تركيا والمملكة السعودية. وعلى رغم ان هناك خريطة طريق وضعت للحرب السورية عبر اتفاق اميركي روسي تم تكريسه في القرار 2254، فان ذلك لا يلغي الاقتناع الكبير بان اوباما اشترى وقتا حتى نهاية ولايته من اجل عدم الانخراط باي شكل في الحرب السورية ايا تكن النتائج، فيما التطورات متروكة للتفاعلات الخطيرة بين الدول الاقليمية من دون ضوابط وعلى وقع توازن مشبوه وغير سوي تحاول ان تجريه ادارة اوباما بين الانفتاح الجديد على ايران، في ضوء الاتفاق النووي والاستمرار على قوة العلاقات بالمملكة العربية السعودية.