IMLebanon

خطاب أوباما والمصاعب الأوروبية

في تاريخ 20/1/2015 ألقى الرئيس اوباما خطابه عن حال الاتحاد امام اعضاء مجلسي الكونغرس، واستمع اليه 30 مليون مشاهد على التلفزيون.

ان هذا التقليد، مخاطبة الامة وممثليها، يسري منذ سنوات، ويسعى كل رئيس الى تبيان ما سيسعى الى تحقيقه خلال ولايته او في السنوات المتبقية من ولايته. والرئيس اوباما خاطب الامة بحماسة ورؤيوية للمرة الأولى منذ انتخابه وتسلمه مقاليد الحكم في 2008/1/20 وبعد سنة من الازمة المالية العالمية، التي تفجرت بعنف في الولايات المتحدة في تشرين الاول 2008 بعد افلاس بنك ليمان براذرز الذي كان أكبر مصرف في الولايات المتحدة والمجموعة الاميركية للتأمين، وخسائر المؤسستين تجاوزت الـ850 مليار دولار.

كان هم باراك اوباما عام 2009 تلخيص خطوات مساعي التغلب على الازمة المالية التي توسعت لتطاول مختلف البلدان، ولاسيما منها بلدان السوق الاوروبية، وها هو يعلن بفخر لمواطنيه ان الولايات المتحدة في 2015 حققت أدنى نسبة للبطالة (%5,6) منذ عام 1999، وان معدل نموها الاقتصادي يفوق معدلات النمو في العالم الصناعي (وهنا يتناسى الصين التي حققت نمواً بمعدل 7,4% عام 2014 في مقابل 3,5 % تحققت للولايات المتحدة)، كما ان عجز الموزانة بدأ يتقلص، وكذلك نفقات العناية الصحية التي كانت ترتفع بنسبة أعلى بكثير من معدلات النمو وارتفاع الدخل الفردي وتهدد طمأنينة الاميركيين العاديين.

لقد استعاد أوباما نفسه الخطابي الذي ميزه في حملته الانتخابية الاولى عام 2007 عندما قارع المرشح الجمهوري، وحقق اختراقاً تاريخياً بفوز محام أسود بموقع رئاسة الجمهورية.

ومن ثم لخص وضع الولايات المتحدة، بالنسبة الى توقعات المستقبل، بالقول: “في هذا الوقت الذي ينمو اقتصادنا وتنحسر نسبة العجز، وتنشط صناعاتنا، ويرتفع انتاجنا من النفط والغاز الى أعلى مستوى بين دول العالم، ويتزايد عدد المتخرجين من المدارس والجامعات، نشعر اننا تجاوزنا الانكماش واصبحنا احراراً لوضع تصور مستقبلنا أكثر من أي دولة على سطح الارض. وعلينا ان نختار ما نريد ان نكون خلال السنوات الـ15 المقبلة ولعقود بعد ذلك.

لتحقيق النتائج المرجوة طالب أوباما اعضاء مجلس النواب والشيوخ، ومنهم الغالبية من الجمهوريين، باعتماد سياسات ترفع الضرائب على الارباح الترسملية من 23,5 % الى 28%، والضرائب على الشركات الكبرى، وزيادة المعونات للدراسة الجامعية في الكليات المحلية، وخفض الضرائب على الفئات الفقيرة، وزيادة التقديمات، وعدم التعرض لمنافع برنامجه للرعاية الصحية… ومن ثم تناول قطاع الطاقة بانتباه، فقال إن اعتمادنا على استيراد النفط انخفض، وعلى استيراد الغاز تلاشى، وكل عائلة اميركية ستوفر سنوياً 750 دولاراً من تكاليف البنزين… وحيث ان عدد العائلات في الولايات المتحدة هو 60 مليون عائلة يكون الوفر على مستوى 45 مليار دولار سنوياً.

وتطرق الرئيس الاميركي الى التحديات العسكرية والامنية بالتشديد على ان القدرة العسكرية اذا اقترنت بالديبلوماسية الناشطة يمكن ان تحقق النتائج المرجوة على الصعيد الدولي. وهنا أشار الى موضوع بالغ الاهمية عندما قال ان محادثاتنا مع ايران حول برنامجها النووي أحرزت تقدماً، وانه لن يوافق ما دامت المحادثات مستمرة على زيادة العقوبات على ايران اذا اختار الكونغرس قراراً كهذا، وأعلن انه سيستعمل حق النقض في حال هذه الحال كما سيستعمل حق النقض في حال اتخاذ قرارات تناهض برنامج خفض التلوث، او قرارات تضيق على سياساته الخاصة بالمهاجرين.

ان هذه المواقف شجاعة بالتأكيد، وقد يستطيع الرئيس أوباما تنفيذ ما يقترح، خصوصاً ان عديد القوات الاميركية في افغانستان والعراق خفض من 180 الف جندي وضابط الى 15 الفاً، وهو طالب الكونغرس بتمكينه من وضع برنامج لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”.

اتخذ الرئيس الأميركي، خطوة شجاعة بالتمهيد لالغاء المقاطعة الاقتصادية والسياحية والتجارية لكوبا وهذا الوضع مستمر منذ أكثر من خمسين سنة ومحاولة أحداث انقلاب على كاسترو التي قام بها الرئيس جون ف. كينيدي وفشلت عسكرياً وتسببت بموقف حرج مع الاتحاد السوفياتي في حينه، وانقطاع العلاقات مع كوبا. ومعلوم ان بعض الشركات الاميركية المختصة بانتاج الادوية استمرت في التعامل مع كوبا في انتاج وتسويق منتجات علاجية ترتكز على اختراعات من علماء كوبيين. وحيث ان كوبا لا تبعد سوى 120 كيلومتراً عن شواطىء جنوب فلوريدا، باتت المقاطعة غير ذات تأثير اقتصادي وغير ذات منفعة سياسية، فاقتضى الأمر الغاءها، وانجز اوباما المبادرة باقتناع منه.

اذا استطاع الرئيس الاميركي اقناع اعضاء الكونغرس بتبني سياساته الضريبية والمساعدات للتعليم، وخفض العبء الضريبي على الطبقات الوسطى، سيشهد الاقتصاد الاميركي نمواً يساعد على تحقيق معدل أعلى للنمو عالمياً وعلى تجاوز الدول الاوروبية محنتها الاقتصادية، خصوصاً ان التوقعات المستقبلية للنمو في اوروبا، ولا سيما في المانيا، بدأت تتحسن مع انخفاض اسعار النفط، انما هنالك اعتبارات اخرى وتحديات تواجه السوق الاوروبية لا بد من الالتفات اليها.

الخميس تاريخ 2015/1/24 ينعقد مجلس ادارة المصرف المركزي الاوروبي للبحث في توصيات رئيسه دراغي ببرنامج شراء سندات سيادية اوروبية بقيمة 400-500 مليار أورو، وهنالك تردد من الممثلين الالمان في مجلس ادارة المصرف المركزي الاوروبي حيال هذا البرنامج وقد يقترحون التريث قليلاً قبل اقرار البرنامج لأن انخفاض اسعار النفط والغاز يساهم في تعزيز فرص النمو وضبط عجوزات موازين مدفوعات بعض الدول الاوروبية.

في المقابل، مع التحسن الناتج من انخفاض اسعار النفط والغاز، هنالك التخوف من انتصار اليساريين في الانتخابات اليونانية، وترجح استطلاعات الرأي العام ارجحية انتصار اليساريين في هذه الانتخابات المقررة الاحد تاريخ 2015/1/25، وهم يدعون الى اعادة التفاوض على شروط القروض الممنوحة لليونان من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي والبالغة 260 مليار يورو. ومعلوم ان اعادة جدولة هذه الديون ليست سهلة، وسوف تستوجب انقضاء وقت ليس بقصير وقد تؤدي الى انسحاب اليونان من السوق الاوروبية. فالسوق كانت سابقة لتاريخ اعتماد اليورو، كما ان ثمة اعضاء في السوق لم يعتمدوا حتى تاريخه الاورو عملة موحدة. ولعل من المفيد الاشارة الى ان دين اليونان يفوق خمسة اضعاف الدين العام اللبناني، في حين عدد سكان اليونان هو في الحد الأقصى ثلاثة اضعاف سكان لبنان.

وبناء على هذه التوجهات، يمكن القول إن الاقتصاد العالمي لا يزال يمر في مرحلة ضبابية وليس هنالك تأكيد لانتهاء آثار الازمة العالمية الاقتصادية والمالية كلياً، ومن المؤكد ان الاورو سيستمر في الانخفاض ازاء الدولار والفرنك السويسري والاسترليني.