IMLebanon

استراتيجية أوباما..

لم يعلن مستر أوباما سياسة واضحة إزاء سوريا على مدى السنوات الماضية. بل جرت عملية منظّمة للقول أكثر من ذلك، بأنه لا يملك أي استراتيجية محدّدة في شأنها، وأنه يتعامل بالتقسيط والتنقيط مع كل تطور على حدة فيها.. قبل أن يتأكد أهل الريبة والشك الأبديون، من أن الاستراتيجية (المرحلية) الوحيدة التي يملكها رئيس أميركا هي تلك المتصلة بمعالجة الملف النووي الإيراني، وأنه غير مستعد ولا يريد أي تشويش هامشي عليها، حتى لو كان ذلك بحجم الكارثة النكبوية الإنسانية والسياسة السورية.. أو أي شيء آخر له علاقة بالنكبة الأصلية المسماة القضية الفلسطينية والجهود السلمية التي بدأت في عهود أسلافه وتكربجت عنده!

والذي يتوضّح بعد ذلك، هو أن الجزء الأول والأساس الذي تتفرع منه استراتيجيته الإيرانية، يقوم على خلاصات مشوّهة وناقصة. وأخطر ما فيها، أنها مشوّهة عن قصد وناقصة عن قصد أكبر.

منها، وفي رأسها ومقدمها، تكرار تلك النظرية اللئيمة القائلة بأن مشكلة العالم العربي أساسها داخلي وليس خارجياً. وان إقفال أبواب الرجاء والتغيير والتطور هو الدافع الأول للتحرك التمردي وخصوصاً من قبل الأجيال الناشئة والصاعدة.. ثم بعد ذلك، اعتبار الإرهاب، الوليد الطبيعي لتلك البطون الحبلى بكل مقومات ذلك اليأس المستشري!

كان يمكن النظر في بعض هذه القراءات من باب وردي، خصوصاً وأنها ترافقت وازدادت حدّة مع اندلاع ثورات الربيع العربي، لكن سرعان ما يطفو اليأس واليباس على ذلك الباب وخصوصاً عندما يسعى مستر أوباما بنفسه الى تأكيد التشويه اللاحق بفذلكته الخاصة بالعالم العربي: يتفاخر بمد اليد الى كوبا وإعادة وصل ما انقطع معها في كل المجالات، ثم يؤدلج الاتفاق النووي مع إيران ويزيّنه بمطوّلات نثرية تشيد بها من كل الوجوه!

وكأن كوبا على مدى السنوات الخمسين الماضية كانت تكثيفاً خلاّباً للنظام الديموقراطي ودولة القانون وأحكام الليبرالية والسوق المفتوحة والمشرّعة. وكأن الكوبيين اختبروا المرة تلوَ المرة تجارب صناديق الاقتراع، وتمتعوا بخاصية تداول السلطة وحرية الرأي والتعبير وتشكيل الأحزاب والتفكير والإبداع والتجارة والسفر، وما كان ينقص أجيالهم الصاعدة سوى بعض الإثارة التي يمكن استيرادها من الجارة العظمى.. ولا شيء غير ذلك!

وإيران قريبة من تلك التوصيفات، سوى أنها بدلاً من ماركسية نظام آل كاسترو، اعتمدت نقيضين. واحد وضعي أيام الشاه الراحل يقوم على تأليه الحاكم الفرد المطلق، وآخر بعد الثورة يقوم أيضاً على جعل الحاكم ظلاًّ إلهياً لكن بنصّ ديني مُنزّل وخاضع لتأويلات صاحب السلطة ومصلحته!

زائد ذلك كله.. لم ينتبه مستر أوباما في مقاربته العربية، المشوّهة عن قصد والناقصة عن قصد أكبر، الى أن الدول العربية الحديثة (أي كلها)، نشأت وتطورت في ظل أكبر نكبة شهدها العالم بأسره بعد الحرب العالمية الثانية، وهي نكبة الشعب الفلسطيني وقيام دولة إسرائيل. وأن ذلك المعطى المزدوج، طغى طغياناً لا يمكن تجاهله على كل ما يتصل بالحكم وأنظمته وأشكاله وقوانينه وموارده وثرواته، بغضّ النظر عن التشوّهات «الداخلية» العميقة القائمة أصلاً والتي زادت عليها تلك النكبة ما يكفي من تشوّهات وذرائع..!

الأخطر (مرحلياً) هو تلميح مستر أوباما الى أن الإرهاب هو وليد تراكمات الداخل العربي والإسلامي الأكثري وإرثه الثقافي والعاداتي، و»الأفق المغلق»، الذي يضع الجيل العربي الشاب وجهاً لوجه أمام اليأس.. والإرهاب!

أخطر ما في هذه الفذلكة أنها آتية من رئيس أكبر وأقوى دولة على وجه الأرض، فيما هي لا تليق حتى بمتدرّج في العلوم السياسية! فهذا الأخير على الأقل، كان سينتبه الى أن الإرهاب الأصولي «العربي» سبقه إرهاب عدمي أصولي منبته ومصدره إيراني! وأن هذا الإرهاب الراهن تحديداً، هو وليد فبركة استخباراتية يعرف (أوباما) أكثر من كل الناس، دهاليزها وتفاصيلها، وأن الأب المؤسس لكل مدرسة هذا العنف الهمجي، هو قيام دولة اسمها إسرائيل في قلب العرب والمسلمين، وأن العالم بأسره، وعلى رأسه الولايات المتحدة بقي على مدى عقود يتفرج على تنامي وتعاظم كارثة شعب بأسره جرى اقتلاعه من أرضه ورميه في الشتات.. ويتفرج اليوم مجدداً على نكبة لا تقل مرارة وصلافة هي نكبة شعب سوريا، والتي تنمو تحت رعاية وعناية سياسات مستر أوباما نفسه!

.. كأنه يريد أن يقول مواربةً، إن الشرق الأوسط الجديد، لن يقوم إلاّ على ركيزتين واحدة اسمها إسرائيل وثانية اسمها إيران! أم ماذا؟؟