مسؤول أوروبي وثيق الصلة بالإدارة الأميركية اعترف في لقاء خاص في باريس بأن “سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا تطرح تساؤلات عما إذا كانت واشنطن أحدثت تغييراً في موقفها من الأزمة السورية منذ بدء الحرب على تنظيم “داعش” والإرهابيين. والحقيقة، إستناداً الى إتصالاتنا ومشاوراتنا مع الأميركيين، ان الرئيس باراك أوباما اختار تطبيق “استراتيجية المواجهة حتى النهاية” مع نظام الرئيس بشار الأسد، لكن على أساس إستبعاد خيار الحرب المباشرة معه وإرسال قوات الى سوريا، ليس من أجل السماح ببقاء هذا النظام بل من أجل إسقاطه بطريقة مختلفة عن تلك التي اعتمدتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان ومن غير تكبد نفقات باهظة وتحمل عواقب التدخل العسكري في هذا البلد”. وقال المسؤول الأوروبي ان “استراتيجية المواجهة حتى النهاية” مع نظام الأسد التي تطبقها إدارة أوباما ترتكز على الأمور والعناصر الأساسية الآتية:
أولاً – تريد واشنطن ترك النظام يدمر ذاته بذاته، وقد نجح الأسد في هذا المجال إذ ان الحرب البالغة القسوة والشراسة التي يخوضها منذ البداية ضد شعبه المحتج ألحقت بسوريا الكوارث والخراب والدمار في مختلف القطاعات والمجالات وحولت أكثر من نصف الشعب مشرّدين ونازحين في الداخل والخارج وأوصلت هذا النظام الى مأزق حقيقي كبير لن يستطيع الخروج منه. فالبلد أفلت من قبضة الأسد والنظام عاجز عن استعادة أكثر من ثلثي المناطق السورية التي خسرها وعاجز أيضاً عن حل مشاكله الهائلة البالغة التعقيد. وقد لخص أوباما الوضع بقوله ان “سوريا باتت خراباً وركاماً” في عهد الأسد، أما المبعوث الأممي ستيفان دوميستورا فقال أخيراً ان الحرب أعادت سوريا أربعين سنة الى الوراء وهي تحتاج الى أربعين سنة أخرى من أجل أن تعود الى ما كانت عام 2011. والنظام يتحمل المسؤولية الأولى والأساسية عن ذلك كله.
ثانياً تتمسك واشنطن وحلفاؤها برفض الإعتراف بشرعية نظام الأسد ورفض التعامل أو التعاون معه مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في أي مجال من المجالات وتريد إبقاءه في عزلة عربية وإقليمية ودولية واسعة النطاق غير مسبوقة لن يستطيع الإفلات منها. وقد قال جون كيري وزير الخارجية الأميركي في مؤتمر دافوس الأخير عن الأسد انه “رئيس مزعوم جذب الإرهابيين الى سوريا”. في الوقت عينه تعترف أميركا وأكثر من 120 دولة بما فيها 18 دولة عربية بـ”الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية” على أساس انه الممثل الشرعي للشعب السوري وتقدم له وللمعارضة المعتدلة عموماً وبمساندة حلفائها أنواعاً متنوعة من الدعم، الأمر الذي سمح بخوض حرب استنزاف ضد النظام وبإحباط خططه للقضاء على الثورة والإمساك بالبلد مجدداً.
ثالثاً – تتمسك واشنطن مع حلفائها برفض المشاركة في أي عملية تفاوضية تنقذ النظام وبرفض دعم أي حل سياسي للأزمة يرتكز على بقاء الأسد والمرتبطين به في السلطة. وما يمنح هذا الموقف الأميركي صلابة وقوة ان الأسد يواصل حرباً كارثية أنهكت نظامه الى أقصى حد وان حلفاءه الروس والإيرانيين عاجزون عن إيجاد حل سياسي للأزمة من غير التعاون مع أميركا والدول الحليفة لها والمعادية للنظام.
رابعاً – يتمسك أوباما بموقف واضح وحازم طرحه علناً مراراً ويقوم على أساس “ان الإستقرار لن يتحقق في سوريا ما دام الأسد في السلطة”. ويضيف المسؤولون الأميركيون الى هذا الموقف قولهم في جلساتهم الخاصة “ان أميركا لن تسمح بتحقيق الإستقرار في سوريا في ظل بقاء الأسد والمرتبطين به في السلطة” وان ضمان بقاء ما تبقى من الدولة السورية يتطلب وجود نظام جديد ينشأ بالتعاون بين قوى المعارضة المعتدلة وقوى من النظام متحررة من سلطة الأسد.
وأوضح المسؤول الأوروبي “ان أوباما يواصل تطبيق الإستراتيجية بكل تصميم، خصوصاً ان الأسد لن يستطيع مهما فعل إنقاذ نظامه من الإنهيار. بل ان وجوده في السلطة يزيد تورط حلفائه في حرب يائسة ليست لها نهاية ولن تتوقف وتنتهي المعاناة الشديدة للسوريين في كل المناطق قبل إتفاق روسيا وإيران وأميركا وحلفائها على حل ينهي حكم الأسد”. وأضاف: “هذه الاستراتيجية الأميركية ستتمكن من إنجاز الهدف الأساسي الذي تريده أميركا وحلفاؤها وهو ضمان قيام نظام جديد يحقق الإستقرار والسلام في سوريا والمطالب والتطلعات المشروعة لكل مكونات الشعب السوري وليس لفئة أو مجموعة معينة. وهذا الهدف سيتحقق من غير غزو سوريا وتفجير أزمة إقليمية – دولية واسعة وتعطيل عملية التفاوض الصعبة مع إيران الهادفة الى توقيع إتفاق نووي نهائي بينها وبين مجموعة الدول الست يضمن تخلي الإيرانيين عن قدراتهم التكنولوجية التي تسمح لهم بامتلاك السلاح النووي. صحيح ان المفاوضات الإيرانية – الدولية تصطدم بعقبات جدية قد تمنع توقيع الإتفاق لكن إدارة أوباما تريد إعطاء الفرصة الكاملة لمحاولة استكمال عملية التفاوض وتجنب تحمل مسؤولية الفشل”.