ليست سهلة هذه الأيام، متابعة متاهات الخبر السوري المتحرك مثل رقّاص الساعة. لا يرسو على بر ولا يركن الى قرار، ولا يترك مجالاً «لأخذ نفس».. بحيث يبدو ان الثابت الوحيد فيه هو استمرار هذه المذبحة على وقع وهم بقايا السلطة الاسدية واستطراداتها الروسية والايرانية بإمكانية الحسم العسكري!
وذلك الوهم هو بدوره نتاج ثابتة موازية هي تلك الخاصة بالسياسة الاميركية التي ما عاد عاقل في الدنيا قادراً على استيعابها خارج السردية التآمرية (الأثيرة في كل حال) القائمة وفق المفهوم الأوبامي على افتراض الارهاب إحدى ظواهر خلل مركزي موجود في «الداخل» العربي والاسلامي الأكثري وليس في خارجه! ثم الاستطراد من ذلك الجزء الى متفرعات ابرزها وأخطرها هو ترك المنطقة برمتها (وليس سوريا فقط) تعسّ بأزماتها الى ان تتطهر تلقائياً!
النكبة السورية هي واحدة من المرايا العاكسة لذلك الفهم الأوبامي القاصر والمفتري والمدجّج بالخبث.. والذي يغيّب بديهيات ووقائع اساسية وحساسة، ساهمت في تكوين وانضاح ازمات السلطة والحكم والكيانات الوطنية والاجتماعية وسمحت باختصار وتشويه النص الديني الى حد جعله البيان التأسيسي للارهاب! ليس إلا!.. وأول ذلك هو اسرائيل (لمن يتذكر؟!) وثانيها «المشروع» الاحيائي الامبراطوري الايراني. وهما أمران «كبيران» ولا يمكن التغاضي، لا من قريب ولا من بعيد، لا من قمة جبل ولا من قعر وادٍ عميق، عن تأثيراتهما التكتية والاستراتيجية، على المنطقة وشعوبها ومصائرها ومصائرهم، وحراكها وحراكهم، وتطورها وتطورهم، بدءاً من آليات الحكم والسيطرة والدساتير والقوانين وصولاً الى تحديات التنمية التي تعتبر مفتاح المسارات التطورية الطبيعية التي نجحت (مثلاً) في تركيا!
لا يُقارن عالم العرب والمسلمين لجهة أنماط الحكم وسلطة القانون، بدول اوروبا أو الولايات المتحدة.. ومع ذلك، لا بأس من لفت نظر الفيلسوف السياسي اوباما، الى ان العامل الارهابي، المتقطع والموبوء والمشبوه في كل حال، كاد ان يُخرج تلك الدول عن اطوارها الحداثية وعن تقاليدها وانفتاحها وتطورها، بل عن قوانينها المبنية على احترام وتقديس الحرية الفردية وصونها باعتبارها جزءاً حاسماً من آليات عمل نظام السوق المفتوحة والليبرالية الاقتصادية بكل مراتبها!
عامل واحد «خارجي» عَرَضي متقطع، ومخاطره عابرة وموضوعية في كل الحالات، فعل الأعاجيب في تلك الدول والمجتمعات والكيانات، فكيف الحال، مع شعوب وكيانات ودول انتجت وتنتج أجيالاً وراء أجيال، على وقع «العامل الاسرائيلي» وبعده، على وقع «العامل الايراني» الذي (بالمناسبة) انتج في سنوات قليلة كوارث عجزت اسرائيل عن تحقيقها على مدى عقود وحروب!؟
اخطر مظاهر الخبث في أداء اوباما، هو افتراضه المرضي، ان ثلاث ديكتاتوريات شمولية (دينية قومية)، هي «البديل» عن «تخلف» المنطقة العربية وشعوبها.. ولا بأس من الاستعانة بها لإنضاج «التطهر الذاتي» المأمول: روسيا وايران واسرائيل!
في الخلاصة السورية: هذا زعيم اكبر وأهم دولة في العالم الحر، لا يتورع عن الاستعانة بديكتاتوريات صافية لتحقيق سياسته.. وترك شعب بأمه وأبيه يُذبح وينكّل به، فقط لأنه أراد ان يكون جزءاً من ذلك «العالم الحر»؟!