الحرب الإيرانية المفتوحة على العالم العربي، لم تعد مقتصرة على الفضاء الإقليمي، بل اتخذت مؤخراً الإعلام الأميركي وسيلة، لشن الهجمات على الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، مستغلة بذلك الانفتاح الأميركي المستجد على طهران، إثر توقيع الاتفاق النووي، وما أثير حوله من شكوك وملابسات في العلاقات العربية – الأميركية.
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لم يتورّع عن استخدام صفحات الصحيفة الأميركية «النيويورك تايمس» لنشر مقال، بعيد عن الموضوعية ولغة المنطق، ومليء بالافتراءات ضد السعودية، التي تتصدى بصلابة للمخططات الإيرانية التوسّعية في المنطقة العربية، وتحاصر أهدافها في إشعال الفتن ونشر الحروب، على نحو ما يحصل اليوم في سوريا والعراق واليمن.
الطريف أن كلام ظريف غير «الظريف»، يخاطب الرأي العام الأميركي والغربي عبر صفحات الصحيفة الأميركية العريقة، وكأنه يكتب في جريدة إيرانية محلية، متجاهلاً ما تحظى به السعودية من مكانة دولية كبيرة في عواصم القرار، وفي المنظمات الدولية والإنسانية، مكنتها من دخول «قمة العشرين» والقيام بأدوار مهمة في المحافل العالمية، فيما كانت إيران تعاني من عزلة دولية، وتحتل المكانة الأولى في لائحة «الدول المارقة» التي نشرتها الإدارات الأميركية المتعاقبة.
لقد حاول ظريف إلصاق تهمة «الإرهاب» بالوهابية، متناسياً الدور الذي تلعبه بلاده في دعم المنظمات الإرهابية، وإنشاء الميليشيات الطائفية، وقافزاً فوق الاتهامات والإدانات الدولية المتعددة، عن المسؤولية الإيرانية، ودور الميليشيات والجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في تفجير السفارة الأميركية في بيروت، ثم مقر المارينز بالقرب من مطار بيروت، ومركز تجمع الجنود الفرنسيين في العاصمة اللبنانية، فضلاً عن العمليات الإرهابية التي امتدت من تايلاند شرقاً حتى الأرجنتين غرباً!
جاء مقال ظريف خالياً من أية وقائع تدعم اتهاماته المزعومة، ومتجاوزاً عن سابق إصرار وتصميم، في محاولته لقلب الحقائق رأساً على عقب، العمليات الإرهابية التي تعرّضت لها السعودية في فترة ملاحقتها لخلايا «القاعدة»، ثم لجماعات «داعش» والعناصر المتطرّفة التي تنفذ التفجيرات في المساجد والمنشآت السكنية والاقتصادية، في الوقت الذي كانت فيه طهران تستقبل أحد أبناء أسامة بن لادن وكبار المسؤولين في «القاعدة».
وفي الوقت الذي كانت فيه السعودية تنظم المؤتمرات للتقريب بين المذاهب وتعزيز الوحدة الإسلامية، إلى جانب إقامة مراكز الحوار بين الأديان والحضارات في أوروبا وأميركا، وتقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام، بعيداً عن التشوهات المغلوطة التي تسببت فيها الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001، كانت إيران تدخل مع الدبابات الأميركية إلى العراق، وتؤسس الميليشيات الطائفية، وتسلح الحوثيين في اليمن للانقلاب على الشرعية واستلام السلطة، وتعزز قبضتها على دمشق، وتخوض أبشع الحروب ضد الشعب السوري المظلوم.
وفيما حاولت السعودية، ومعها دول مجلس التعاون الخليجي، الحفاظ على علاقات حسن الجوار مع إيران، كانت الأخيرة تعمل على تنظيم الخلايا السرية وتزودها بالأسلحة والمتفجرات لضرب أمن واستقرار الدول الخليجية، وتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب!
في الثاني من آذار 2014، أدلى الرئيس الأميركي باراك أوباما بحديث مطوّل إلى موقع «بلومبرغ» تحدث فيه عن إيران على النحو التالي حرفياً: «ما أدركته منذ فترة عن إيران، أنها لاعب دولي غير مسؤول، تدعم الإرهاب، وتهدد جيرانها، وتموّل أعمالاً أدّت إلى القتل في الدول المجاورة، إلى جانب ذلك، إيران استغلت وسعّرت الانقسامات الطائفية في دول أخرى!».
إنها شهادة رئيس أكبر دولة في العالم، موثقة بالصوت والصورة، ولا تحتاج إلى أي تفسير أو تأويل!
* * *
كان من الأجدى والأنفع لو خصص الوزير ظريف مقاله في طروحات تساعد على وأد الفتن والحروب في المنطقة، ويقدم من الأفكار والمقترحات ما يُفيد في إعادة وصل ما انقطع مع الدول الخليجية، وخاصة السعودية، لأن السياسة العدائية الإيرانية الحالية، تخدم التطرّف والإرهاب، وتضرّ بشعوب الإقليم، وفي مقدمتهم الشعب الإيراني، المهدد بوحدته ومستقبله.