IMLebanon

«مسلِّة» نصرالله تردع «المستقبل» وتُنفِّس عون!

يبتسم سياسي مخضرم ويقول: السيّد حسن نصرالله دعا الرئيس فؤاد السنيورة إلى أن «يخيّط بغير هالمسَلّه»، إذا كان يفكِّر ببديل من الرئيس نبيه بري في رئاسة المجلس. لكنّ نصرالله يدرك جيّداً أنّ السنيورة- ومِن ورائه تيار «المستقبل»- لا يمتلكان اليوم أيّ مسلّة ليخيِّطا بها، ولا ثوباً للخياطة، شأنهما شأن غالبية القوى اللبنانية التي لا تكاد تعرف لماذا تحاور وعلامَ الحوار؟

في المعمعة الحالية، ربما يكون «حزب الله» وحده مطمئنّاً إلى «مستقبله»! وأما «المستقبل»، فكل ما يمتلكه اليوم هو انتظار تسوية تأتي بها جلسات الحوار… فكيف يغامر بطرح تبديل الرئيس بري، فيما الحوار لا يُربَط فيه خيطٌ ولا يُحَلّ إلا بموافقة برّي نفسه.

ولا يريد «حزب الله» أن يصدِّق أنّ «السلّة المتكاملة» التي طرحها السنيورة، قبل أن يعتذر (عون- محمد رعد- الحريري) هي زلّة لسان، بل يراها جسّ نبض ومحاولة غير مسبوقة للعب في داخل البيت الشيعي. لذلك، جاء الردّ سريعاً وقوياً وواضحاً.

وعلى الأرجح، الرسالة التي أراد نصرالله توجيهها إلى «المستقبل» هي حصراً تلك المتعلقة بالرئيس بري، وهي كفيلة بتسديد الاتجاه وقطع الطريق على أي محاولة لجعل رئاسة المجلس النيابي جزءاً من المساومة، أي «السلّة». وفي ظل الفتور الذي ساد علاقة بري – «المستقبل» بعد كلام السنيورة، أطلق نصرالله موقفاً ربما يتحفّظ بري عن إطلاقه مباشرة، لأنّ موقعه الراعي للحوار لا يشجعه على ذلك.

لقد أظهر نصرالله في خطابه الأخير خفايا استياء شيعي واضح من «المستقبل» إزاء طرح تغيير الرئيس بري، فردّ عليه باللعب بمعادلة رئاسة الحكومة، إذ أوحى بأنها ستكون قابلة للبحث، وليست حتماً محصورة بالحريري أو «تيار المستقبل».

وفي أوساط «الحزب» مَن يقول: يأخذون على بري أنه مستمرّ في رئاسة المجلس منذ فترة طويلة، لكنهم يتجاهلون أنّ الحريرية تمسك برئاسة الحكومة طوال الفترة إيّاها، ولو ابتعدت لبعض الوقت، نتيجة ظروف طارئة وموقّتة!

وتسأل: ألا يَعتبر «المستقبل» نفسَه، منذ مطلع تسعينات القرن الفائت، أنه هو الوحيد الجدير بتوَلّي رئاسة الحكومة؟ أوليس المجيء بأيّ رئيس للحكومة من خارج التيار كان دائماً حالة استثنائية خارج «السياق الطبيعي»، ويجب أن تزول عندما تأخذ الأمور طريقها الصحيح؟ أوليس هذا ما يسعى إليه «المستقبل» في الحوار الدائر اليوم؟

وفي أي حال، ثمة اعتقاد لدى البعض بأنّ «الحزب» ربما يلعب في مرحلة لاحقة على التوازنات داخل الطائفة السنّية، بل داخل الجسم المحسوب على «المستقبل».

وفي الموازاة، يبدو «حزب الله» مهتماً بالموجة التي أطلقها وزير «المستقبل» نهاد المشنوق، قبل ذلك، والتي أشار فيها إلى إمكان العودة عن ترشيح فرنجية واختيار آخر لرئاسة الجمهورية، ما أوحى بأنّ عون هو المقصود، قبل أن يجري تسريب صيغة الاستطلاع الديموقراطي داخل «التيار»، والذي جاءت نتيجته رفضاً لترشيح عون.

إذا أعلن «المستقبل» دعم عون، سيقلب اللعبة رأساً على عقب، وسيُصاب «الحزب» بالإحراج الشديد، لأنّ عون يكون قد حصل على دعم الشريحة السنّية في 14 آذار، بعد الدعم الذي حصل عليه من الشريحة المسيحية الـ14 آذارية الواسعة، أي «القوات اللبنانية»، في موازاة حلحلة من جانب النائب وليد جنبلاط.

في حال كهذه، لن يكون أمام «الحزب» إلّا أن يرضخ للواقع ويوفّر «النصاب الشيعي» لانتخاب عون، وهذا ما يتجنّبه  «الحزب» حتى اليوم لسببين:

– إنه ليس في وارد إنجاز انتخابات رئاسية حالياً، لاعتبارات داخلية وإقليمية.

– ليس العماد عون مرشحه المفضّل. وهناك مَن يعتقد أنّ مرشح «الحزب» أو مرشَّحَيه المحتملين «في الج يب» انتظاراً للحظة المناسبة.

لكنّ السيد نصرالله تعمَّد في خطابه تجديد التمسّك بالعماد عون. وهو يدرك أنّ شيئاً لن يستطيع إيصاله إلى الرئاسة في ظل المراوحة القائمة.

لكنه وجّه إليه رسالة يريدها أن تطمئنه، بعدما لاحظ أنّ الرابية تزداد قلقاً في الفترة الأخيرة، وهي تلحّ على «الحزب» أن يحسم الأمور، خصوصاً أنّ «القوات اللبنانية» تسأل عن مغزى استمرار سياسة المماطلة التي يعتمدها «الحزب»، بعدما خرقت هي نفسها كل المحظورات وأعلنت دعم عون.

ويحرص «حزب الله» على أن تبقى كل عناصر اللعبة تحت السيطرة، ولا تطرأ مفاجآت غير مرغوب فيها في ملف الرئاسة.

فعلى الأقل، أدّت سياسته إلى إرباك 14 آذار وحصر المعركة بمرشحين من 8 آذار، وليس في مصلحته أن يقود التوتر مع «المستقبل» إلى دفع هذا التيار و«القوات» إلى التراجع عن المكسب الذي لا يجوز إهداره وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

وفي الوقت عينه، يرغب «الحزب» في إبقاء الرابية في وضعية الانتظار الإيجابي، فلا تتخذ خطوات غير محسوبة قد «تُخربط» الحسابات، خصوصاً مع بروز موجة من الانتقادات في داخل «التيار» تدعو عون إلى حسم المسألة مع «الحزب»: هل أنت مدعوم فعلاً كمرشح للرئاسة أو غير مدعوم؟

لقد وضع السيد حسن نصرالله ضوابط وهوامش للحوار في جولاته التالية. وبدءاً من 5 أيلول المقبل، سيتابع «حزب الله» المناورة، وسيضع الجميع أمام خيارين: الاقتناع بمفهومه لـ»السلّة» أو الخياطة «بغير مْسَلَّة»! وفي كل التجارب المماثلة، لم يصطدم «الحزب» باعتراضات ذات شأن.