بالأمن، كما في بعض الملفات السياسية الحسّاسة، ذهب «حزب الله» و «تيار المستقبل» منذ بدء الأزمة في سوريا بعيدا في تنسيق مكتوم الصوت وعلى القطعة وتحت الطاولة، أبعَدَ من يومها كأس انفجار الاحتقان المذهبي، بالتوازي مع قرار إقليمي بتحييد الساحة الداخلية عن براكين المنطقة.
لكن في كل مراحل التنسيق، السرّي ثم العلني، ثمّة في «تيار المستقبل» من كان يحرّم الحوار قبل تسليم السلاح، ومن يعتقد أن الرئيس سعد الحريري قد يرتكب الخطأ نفسه الذي أقدم عليه حين سلّم بخيار مصافحة الرئيس بشار الأسد، وطيّ صفحة العداء معه.
بالمقابل، على مستوى الخطاب الرسمي انضوى الجميع، تقريبا، تحت عباءة تبريد النفوس المشحونة. مع ذلك، البعض يستبق الحديث عن النتائج المتوقعة سلفا من حوار يعطي الضاحية أكثر مما يأخذ منها.
أخيرا جلس الطرفان وجهاً لوجه، لكن قبل ثبات المشهد الإقليمي على خريطة توازنات جديدة، وهذا ما لم يكن صقور «المستقبل» يتوقّعون حتّى حصوله. السيناريو الأكثر تشاؤما ذهب الى حد تخيّل بشار الأسد داخل حفرة أو مقتولا، ما كان سيفرض على «حزب الله» الذهاب الى حوار من أجل الاتفاق على كيفية سحب سلاحه. أما السيناريو الأكثر تفاؤلا فإنه روّج لانهيار إيران تحت وطأة تحالف المجتمع الدولي ضدها!
بمطلق الأحوال، وباعتراف الرئيس الحريري نفسه، لم يكن ما أقدم عليه «تيار المستقبل» ليزيد من رصيد شعبيته في زواريب طريق الجديدة وأزقة طرابلس وعكار. ولم يطل الامر كثيرا حتى صدرت بعض المواقف داخل «التيار» التي أكّدت، بلغة الإحصاءات، أن بعض الأصوات التي خسرها «المستقبل» بسبب حواره مع «حزب الله» قد جيّرت لمصلحة قوى «14 آذار» الرافضة في قناعاتها لهذا الحوار.
وما لا يستطيع اليوم أن يقوله الرئيس فؤاد السنيورة والوزير أشرف ريفي وبعص النواب والشخصيات القيادية، يتكفّل بعض الزاهدين برضى الرئيس الحريري بالقيام به. النائب معين المرعبي يصرّ على أنه يتكلّم باسمه لا باسم «المستقبل» في كل مرة يطلق فيها نيرانه باتجاه الحوار.
قبل المضمون، ينتقد الرجل شكل الحوار. برأيه، «تيار المستقبل» العابر للطوائف لا يجوز أن يختزل أعضاء وفده، نادر الحريري ونهاد المشنوق وسمير الجسر، مكوّناته المتنوعة حيث يتمّ حصرها بالثلاثي المذهبي. أما في المضمون فالكلام كبير ولا مكان له على أجندة المتحاورين في عين التينة.
يقول المرعبي لـ «السفير»: «ثمة ازدواجية غير مقبولة بين أن نوجّه أصابع الاتهام الى قتلة ومجرمين يتآمرون على البلد ويهيمنون على الحكومات، ونسمع تصريحات لمسؤولين ايرانيين تدلّل على مشروع السيطرة على المنطقة، ثم نجلس مع هؤلاء أنفسهم الذين يرتكبون المجازر في سوريا ويقاتلون الى جانب نظام بشار الاسد».
يضيف المرعبي «إذا تجاوزنا كل هذه الاتهامات، فما الذي سيمنعنا لاحقا من إجراء حوار مع داعش والقاعدة تحت عنوان تنفيس الاحتقانات؟».
يتفهّم المرعبي ظروف الحريري التي قد تدفعه الى مثل هذه الخيارات الخاطئة، لكنه يؤكد أن لا نتيجة لحوار لا يؤمّن سوى الغطاء والمقبولية لـ «حزب الله». ويتساءل «ما الذي سنقوله للسجناء في لبنان الذين يقضون محكومياتهم، بينما نحن اليوم نحاور من ارتكب كبرى الجرائم؟».
وبلهجة أقل حدة يؤكد النائب السابق مصطفى علوش ان لا جديد لـ «تيار المستقبل» ليقدّمه لهذا الحوار، أما إذا كان «حزب الله» يرغب فعلا بتخفيف الاحتقان «فما عليه سوى أن يقدّم مخارج في الموضوع الرئاسي، وفي مسألة قتاله في سوريا، وإلا فسيبقى القديم على قدمه، وستقتصر الأمور على بعض المسائل الجانبية القائمة على التهدئة».
ويرى علوش «ان عدم اللقاء الثنائي لم يكن بحدّ ذاته سبباً من أسباب عدم حصول هذه التهدئة، حيث إن الجانبين كانا شركاء في كل الحكومات السابقة». ويشير الى «محطات صدامية، كان مسوؤلا عنها مباشرةً حزب الله، ولا يمكن الحكم على الحوار إلا بعد معاينة نتائجه عبر ضمان عدم العودة الى مرحلة الصدام».
لكن باستثناء بعض الأصوات التي تتعاطى بشيء من الإحباط مع حوار ترى أن أحد أطرافه ملتزم بأجندة محض خارجية، فإن معظم «المستقبليين» ينتظرون من الجولات المقبلة أن تفعل فعلها على أكثر من جبهة: جبهة حكومة تمام سلام عبر تأمين مقوّمات الصمود لها وانتقال عدوى الإنتاجية الى مجلس النواب، وجبهة دعم استقرار الساحة الداخلية مع تكاثر الحديث عن احتمال حصول انقلاب في المشهد الحدودي من خلال المواجهات مع المنظمات المتطرّفة.
ويبــدو، وفق المعطــيات، أن بيـــكار المتفهّمين والداعمـــين للحوار داخل «المســتقبل» قد اتّســع أكثر بعد جولتَي الحوار، خصوصا ان ثمّة من يحرص على إبلاغ القــلقين بأن مــداولات عين التيــنة الســرّية تكشــف عن رغبة متبادلة بأن لا تكون اللــقاءات الليــلية مجـــرد «عصــرونية» فواكه وحلوى وتطيـــيب خواطـــر، بل غــوصاً في التـــفاصيل التي يســتحــيل أن تجد مكـــانا لهــا لا على طاولة مجلس الـوزراء، ولا حتى داخل غــرفة «خلية الأزمة».
..وكتلة «المستقبل» تؤيد «ضمن الثوابت»
أكدت «كتلة المستقبل» تأييدها «للحوار مع حزب الله ولأهدافه، في ظل تمسكها الكامل بثوابتها القائمة على إعادة الاعتبار للدولة وبسط سلطتها الكاملة على الأراضي اللبنانية»، مرحّبة «بخطوات الحوار بين أطراف أخرى، لأن لبنان لا يمكن أن يتقدم ويبتعد عن المخاطر إلا عندما تعم ثقافة وأجواء الحوار والتواصل بين مكوناته».
واعتبرت «الكتلة»، في بيان تلاه النائب محمد الحجار بعد اجتماعها الأسبوعي برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة استهلته بالوقوف دقيقة صمت حدادا على غياب الرئيس عمر كرامي، أنّ الإجراءات المعتمدة من قبل السلطات المختصة حول ضوابط دخول النازحين السوريين إلى لبنان، «هي إجراءات سيادية بالدرجة الأولى وتأتي نتيجة تفاقم مشكلة النزوح». وأشارت إلى أن «طبيعة هذه الإجراءات هي صيغة متحركة ويمكن إعادة النظر فيها في أي وقت نتيجة التطبيق وفي ضوء الدروس المستفادة، وهي من صلاحيات السلطات الحكومية المختصة».
وردا على المواقف «المقلقة» من قرار السلطات اللبنانية في هذا الخصوص، رأت «الكتلة» أن «لبنان لم يحصل إلا على النزر اليسير من المساعدات المطلوبة الضرورية أو المقررة لمواجهة ما يتحمله من أعباء بسبب الأعداد الكبيرة من النازحين السوريين»، لافتة الانتباه إلى أن «هذا الجهد الذي تعبر عنه الدول الغربية والمنظمات الدولية يجب أن يتحول لممارسة الضغط اللازم لإنهاء هذه الحرب المدمرة التي يخوضها النظام السوري وأعداؤه ضد الشعب السوري لوقف النزوح السوري إلى لبنان وغيره من البلدان».
من جهة ثانية، اعتبرت «الكتلة» أنّ «التلاسن وتبادل الاتهامات بين بعض الوزراء في شأن الأمن الغذائي ومتفرعاته يضعف الدولة وصورتها وينعكس على لبنان واللبنانيين في الداخل والخارج».
ورأت «الكتلة» أن «أزمة معالجة النفايات الصلبة تحتاج إلى معالجات جذرية تعتمد على أسلوب الحلول العلمية المتكاملة والدائمة».
وكررت مطالبتها بـ «نشر الجيش اللبناني على الحدود الشرقية والشمالية بمساندة قوات الطوارئ الدولية».