IMLebanon

الممانعة المعذورة!

معذورة منظومة الممانعة في التعامي عن الحادث العرضي البسيط الذي وقع في دوما! فهي منشغلة بحدث جلل، أكبر وأهم وأخطر بما لا يُقاس من «إضافة» بضع عشرات من الأطفال والنساء الى المقبرة التي فتحها بشار الأسد في سوريا.

.. هذه الممانعة منشغلة في تعقّب خبريات أحمد الأسير. في التنقيب في كل حرف قاله! وفي كل جملة رماها! وفي كل مكان نام فيه! وفي كل سيارة استخدمها في تنقلاته! وفي كل نظّارات طبّية استخدمها! وفي كل نفَس تنفّسه! وفي كل عطسة عطسها! وفي كل حلم رآه في نومه!.. وماذا كان يقول عندما يستيقظ صباحاً! وماذا كان يأكل على «الترويقة»! وبعدها على الغداء! وهل كان هو الذي يطبخ طعامه أم يطلب «ديليفيري»! وماذا كان يتعشى وأين كان يتمشى! وبماذا كان يتمتم قبل النوم! وكم هو قياس حذائه! وهل يعرف شيئاً أكيداً عن ربطة العنق! وهل سبق واستخدم ذلك اللباس الفرنجي غير الشرعي أصلاً! وهل كان يشاهد نشرات الأخبار المتلفزة! وأي محطة كان يتابع تحديداً! وماذا قال حرفيًّا عن قصة حمل كيم كارداشيان! وما هو تماماً بتاتاً الذي قاله عن سمير جعجع! وماذا عن احتمالات إعجابه بنشيد «موطني» الذي غنّته «أليسا! وماذا كان رأيه بمهرجانات بيت الدين وبعلبك وبعورتا وتلال جزين! وهل أصدر فتوى محددة في شأن أكل اللحم بعجين في الغربة! وماذا كان رأيه في أزمة النفايات؟ وكيف وصل الى الشمال! وهل عانى من عجقة السير في الذوق وضبية؟ وكيف تحمّل كل ذلك العذاب في صندوق السيارة على مدى ساعات في عزّ دين الحر؟!

منشغلة ماكينة هذه الممانعة، حتى مناخيرها وبكل تلابيبها وتفاصيلها وكامل جاهزيتها وعدّتها وضميرها الحي، ومن أصغرها الى أكبرها ومن «منارها« الى «أخبارها« الى «سفيرها« بالإنجاز المتمثل بالقبض على الأسير الخطير، والذي لا يضاهيه إنجاز سوى «اتفاق فيينا» وصيرورة إيران دولة نووية عظمى غصباً عن كل العالم! وصمود بشّار الأسد في وجه المؤامرة الكونية، واطلاق طهران النفير الأخير استعداداً للزحف المقدّس على القدس لتحريرها! 

بل تراها، ممانعة آخر زمن هذه، ترى في اعتقال الأسير تحقيقاً لوعد إلهي، ونصراً جديداً أخاذاً خلاّباً لا سابق له ولا مثيل! وكيف لا؟ وهو هو تحديداً وشخصياً، من كان العقبة الوحيدة، الكأداء أمام وصول مسيرات مجاهديها الى أسوار عكا! والحاجز الحائل أمام دكّها قلاع أسلحة الدمار الشامل الصهيونية في النقب! وأمام إعادة آخر فلسطيني الى بيته في الجليل. وآخر فلسطينية الى ديارها في حيفا. وآخر مشرّد الى بيّارته في يافا! عدا عن انه، هذا الأسير الخطير تحديداً وشخصياً، هو المسؤول الحصري عن الاحتلال الأميركي للعراق وتفجير الفتنة المذهبية والعرقية فيه! وهو المسؤول الأول عن تحويل «القطر السوري الشقيق» الى شيء من محارق «الرايخ الثالث»! وهو المسؤول المركزي عن تشليع البنى الوطنية والأهلية اللبنانية ورميها بأسيد الفتن والبلايا السوداء! وهو المسؤول الحصري عن وصول اليمن السعيد الى ما وصل إليه من بلاء متراكم ودمار مستحيل!

هذا الأسير الخطير يستحق أن يُحتفى باعتقاله، على مدار ساعات الليل والنهار. وأن تُسيّر تظاهرات الابتهاج في كل ركن ممانع مكين. وأن تُقدّم سلسلة اقتراحات في شأن سلسلة نشاطات تربوية وثقافية ولطمية وجهادية، وأن يُعتبر يوم اعتقاله عطلة رسمية في كل الديار الممانعة من إيران الى العراق الى سوريا الى اليمن الى الضاحية والجنوب اللبناني الى التخوم الغربية لأفغانستان وبعض نواحي باكستان.. ولا بأس من ضم الجبال الشم لطاجيكستان، وأخذ رأي موسكو في فكرة تنظيم عرض خاص بالمناسبة في الساحة الحمراء ذاتها!

.. كيف بعد ذلك، تُسأل هذه الممانعة عن عماها المخزي إزاء مجزرة دوما؟ وعن هذا النفاق المجلجل المعيب والأسطوري في أدائها وبيانها وضميرها الحيّ؟.. يا عاركم!