IMLebanon

“المرصد” باب لعودة الكتائب إلى الناس ونَبَض الشارع

“المرصد اللبناني للفساد” الذي أعلن إنشاءه رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل خطوة موفقة على طريق طويل لإعادة الحزب التاريخي إلى مجتمع الناس العاديين، الكثر هؤلاء، المهتمين عند المحطات الأساسية فقط، بمواضيع النضال الوطني والسياسي وعناوينه. ولكن المنصرفين بقية أيامهم إلى همومهم الحياتية الشخصية والصغيرة.

كان مضى زمن طويل لم يلقِ حزب رئيسي بالاً لقضايا تؤرقهم. لم تعد الأحزاب تحمل همّا اجتماعياً فتتطوع لدفاع عن الفئات الأضعف، بل تعلّي السياسة على أي اعتبار والسياسة في لبنان دوران في حلقة مغلقة، ما دام يحكمها وجود سلاح يحمل قضية لا تعني لها حدود لبنان شيئاً، والأحزاب غير الدائرة في فلكه لا تملك ضده إلا الكلمات.

قبل 1975 كان الكتائب حزب بروليتارليا بيئته، الناس البلا سند إقطاعي أو عائلي، وأيضاً ملتقى مجموعة من النخبة الفكرية والشبابية. مرجل الحرب الذي ارتمى فيه هذا الحزب فرض عليه أن يتعسكر، وطالت الحرب فلم يعد أحد يذكر روحاً طبع بداياته مدافعاً عن الفئة الكادحة العاملة، واضعاً “قانون العمل” لحماية حقوقها. أهمية الكتائب ليست في أنه الأقدم فليس القِدَم علة بقاء للأحزاب، بل في أنه طليعة قديمة قادرة على التجدد إذا أحسنت التقاط نَبَض اللحظة التي يعبّر عنها الشارع وحده اليوم، وإذا حمل رسالة حداثة لا بد منها، وتكفيه لإرجاعه مثيراً لاهتمام جيل جديد من اللبنانيين.

لعلّ سامي الجميّل أكثر من يشعر بنَفَس الشارع. ولعلّه في الوقت نفسه أكثر من تُلقى في وجهه قفازات التحدي ما دامت رئاسة الحزب التاريخي انتقلت اليه اباً عن جدّ، والعامة لا تميل بسليقتها إلى الوارثين بصرف النظر عن أسمائهم والشهرة. تنظر إليهم محظوظين نسبة إلى أحوالها إلا إذا كسبوا معركة إثبات أهليتهم واستحقاقهم. وثمة فرصة هنا تلوح أمام رئيس الحزب الشاب. ففي إطلالته الأولى نائباً في البرلمان عرف أن يخطف أسماع جيل الإنترنت والعوالم الإفتراضية. حكى لغتهم ونيابة عنهم مدغدغاً تطلعاتهم وآمالهم في وطن يشبههم. وقبلاً كانت له تجربة ناجحة معهم في “حلف لبناننا”.

في الكتائب ضخّ سامي الجميّل دماً جديداً وحيوية لطالما افتقدها، لكن الحزب لن يقدر على مواكبة الزمن المتسارع بوتيرته السابقة، حزباً سياسياً عينه على مقاعد في المجالس. وماذا يفيد أي حزب أن يكسب باللعبة السياسية وتحالفاتها عشرات المقاعد، إذا كانت بينه وبين الناس غربة تحيله سمكة خارج حوضها؟

من هذا المنطلق، أهمية “المرصد” من خارج الجسم الحزبي وبالتفاعل معه ومع غيره، أنه بداية خروج على هيكلية قديمة متحجرة في هذا الحزب. هيكلية قد يكون أكثر ما يعبّر عنها وجود أقسام منتشرة في القرى والبلدات تحوّلت أشبه بخطوط تماس نفسية بين أهلها، ولم تعد تؤدي الغاية منها. لا بل أثبت “الحراك المدني” في الشارع اللبناني والعربي أخيراً أن صفحات على “فايسبوك” أو “تويتر” يمكن أن تكون ذات جدوى أكبر في إيصال الرسالة ونشرها والإنفتاح على أفق أوسع. ما قبل عالم الإنترنيت والتواصل الإجتماعي وهيئات المجتمع المتعددة ليس كما قبله. إذا استوعب حزب الكتائب هذه الحقيقة وعمل في ضوئها فستكون أبواب خلف أبواب مفتوحة أمامه . ونجاحه ليس نجاحاً له بل لبقية الأحزاب الأبعد حتى اليوم عن هذا الواقع، والتي ستلحق بتجربته حتماً إذا نجحت. لكن ذلك أيضاً لا يكفي: يجب ألاَ ينسى مرة أخرى أن الحزب في خدمة لبنان وليس لبنان في خدمة الحزب، وأياً تكن تسمية هذا الحزب . (لا بأس في “الحزب الديموقراطي الإجتماعي- الكتائب”، لم لا؟) .