مع كثرة الشكوك المحيطة بإجراء العملية الانتخابية البلدية والاختيارية، إلّا أنّ تحمية الماكينات الانتخابية قد بدأت، ولو بطريقة خجولة وبالحد الأدنى، خصوصاً في كسروان عاصمة الموارنة.
على رغم الحماسة التي يبديها اللبنانيون التوّاقون للإنتخابات، إلّا أنّ هناك مجموعة أسئلة واستفسارات تُطرح، منها: كيف للدولة أن تُبرّر عدم إجراء انتخابات نيابية في وقت تُجرى الانتخابات البلدية والإختيارية؟
كيف لهذه السلطة أن تدير العملية السياسية للانتخابات في وقت تشير مصادر متابعة الى انّ تيار “المستقبل” ليس جاهزاً لها لأسباب مختلفة، واهتمامات “حزب الله” في غير مكان، وكثر يفضلون عدم وضع “مصالحة معراب” تحت الإختبار خشية “صولد انتخابي” يطيح كل النقاط المشكّك فيها حول قوة التحالف ومتانته وحجمه؟.
الأمر المؤكد أنّ الدولة لا تواجه مشكلة على الصعيدين الأمني والإداري – المالي لإنجاز العملية الانتخابية. وإذا كان الشلل العام قد طاولَ مختلف مرافق الإدارة وعلى شتى مستوياتها، قد يكون مفيداً جداً إعادة تجديد النبض في السلطات المحلية من خلال الانتخابات.
ومهما يكن، فإنّ الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتظهير كل ما يلزم إيضاحه في حال السير بالانتخابات كأمر واقع، مع كل ما يتعلق بها من مواقف وتحالفات ولوائح وتوافقات أو معارك كسر عضم.
صحيح أنّ لكلّ منطقة خصوصيتها وأهميتها، لكنّ أحداً لا ينكر أنّ العمل الإنمائي وبرامج العمل تتبوّأ الدرجة الثانية لتحتل التحالفات السياسية الصدارة في مزيج عجيب تتداخل فيه العصبيات والعائلات والأحزاب.
وفي هذا الإطار، تتوجه الأنظار إلى مدينة جونية عاصمة قضاء كسروان-الفتوح، كونها تشكّل مختبراً أساساً لمفاعيل التحالف بين “القوات اللبنانية” و”التيّار الوطني الحر”، ولأنّ عوامل التداخل في انتخاباتها محلية صرف، فلا قدرة لأطراف “غريبة” على التأثير فيها، وهي المدينة التي لا تزال تتردّد ما بين التزام خط عائلاتها التاريخية وبين التزام الأحزاب المسيحية الفاعلة فيها، وما بينهما، ولأنها أولاً وأخيراً تمثّل النبض المسيحي عموماً والماروني خصوصاً.
يسعى المتابعون والفاعليات إلى توافق عام تُكلّله تفاهمات الأحزاب والعائلات ويشجعه كثيرون. وقد اتخذت الأحزاب الفاعلة هذا القرار، ويجاريها الفاعلون في رفع شعار “التوافق” في انتظار تبيان اللائحة التوافقية في تركيبتها وتقسيماتها. في الوقت عينه، لا يتخلى اللاعبون عن مناورات محلية لتحسين شروط التفاوض، ولا سيما المتعلق منها بهوية الرئيس العتيد للمجلس البلدي، المرشّح ربما أيضاً لرئاسة اتحاد بلديات القضاء.
الرئيس السابق للمجلس البلدي جوان حبيش القريب من “التيار الوطني الحرّ” طامح للعودة الى رئاسة البلديّة، على رغم أنه لم ينجح في خرق لائحة الرئيس الحالي أنطوان افرام في الإنتخابات الاخيرة، ويتطلّع إلى قاعدة له في بلدته ساحل علما، التي تشكل مع حارة صخر وصربا وغادير الإطار الجغرافي لمدينة جونية. بدوره يطمح نائب الرئيس الحالي فؤاد بواري للرئاسة أيضاً.
لكن حتى الآن، يبرز شاب لمع إسمه في المجتمع الأهلي ويحوز ثقة عنصر الشباب بشكل لافت وهو فادي فيّاض، المقرّب من رئيس “المؤسسة المارونية للانتشار” نعمة افرام الذي يتبنّى ترشيحه.
وفي المعلومات، فقد التقى فيّاض قبل أيام قليلة وبصفته مدير عام جمعية “أصدقاء المدينة”، وزير الأشغال العامة غازي زعيتر الذي بَشّره بإطلاق مناقصة تلزيم أشغال تأهيل صالة المسافرين في مرفأ جونية السياحي، وحَدد يوم 15 نيسان المقبل موعداً لإطلاق العمل، وأعلمه زعيتر بالقرار الذي اتخذه وأحاله إلى التنفيذ.
ويبقى السؤال المركزي: هل ينجح التوافق؟ وما هي شروطه؟
يؤكد مصدر قريب من رئيس المؤسسة المارونية للانتشار أنّه “يريد فيّاض مرشحاً توافقياً انطلاقاً من مسيرته وقناعاته التي خطّها لنفسه في العمل بالشأن العام، وهذا ما سبق وقام به افرام خلال الانتخابات البلدية السابقة والنيابية أيضاً، يوم رفض الترشّح حين لم ينجح التوافق في قضاء كسروان، وكذلك خلال توَلّيه رئاسة جمعية الصناعيين، وأخيراً من خلال العمل على تشجيع التقارب المسيحي”.
وبما أنّ جونية تتأثّر برأي البطريركيّة المارونيّة، يؤكد مرجع روحي لـ”الجمهوريّة” أنّ “بكركي تشجّع التوافق، والعائلات تتمنّاه والشارع يفضّله”.
من ناحية الأحزاب، فإنّ “القوات” و”التيار الوطني الحر” و”الكتائب” و”الاحرار” ليس لديهم إشكالية مع فيّاض، ويقول أحد العاملين على خطّ الإنتخابات في المدينة انّ “فيّاض تربطه صِلة قربى ومودّة مع كلّ العائلات المتنافسة”، مع الإشارة إلى إحراج معنوي لـ”التيار الوطني الحرّ” في حال ترشّح حبيش، وقد يكون المخرج بإبقائه على اللائحة المحتملة لمرشحيه في الانتخابات النيابية وطمأنته، إذا ما نجحت التسوية.
ماذا عن دور النائب السابق منصور البون والوزير السابق فريد هيكل الخازن والآخرين؟
“لكلّ دوره وموقعه، ولكلّ قوته على الأرض”، يجيب مصدر حزبي مسؤول، و”الأحزاب لن تستبعد أحداً، على العكس. لكن هناك من يطرح إمكان نقل الامتعاض القائم من “مصالحة معراب” إلى توجيه رسالة رئاسية من خارج القضاء، عبر الانتخابات البلدية في جونية. وهذا سيسقط التوافق الشامل حكماً، وعندها ستقع معركة انتخابية”. وللبحث تتمة.