«ليس ثمة في لبنان من ليس لديه هواجس».
تلك هي الخلاصة المفيدة لما انتهى إليه الوزير غازي العريضي إثر لقائه الرئيس نبيه بري في عين التينة، أمس.
الجميع «مهجوس». وهي عموماً هواجس مصيرية… وهي تشتد على الجميع، ولكنها لدى فريق أشد وطأة من الفريق الآخر.
وحديث الهواجس (…المصيرية) حديث مزمن في هذا البلد، وفي هذه الرقعة من الأرض، وفي هذه المنطقة تحديداً. إنها أرض النزوح المزمن، والهجرات المتواصلة، والتهجير الذي لا ينقطع.
لسنا في وارد استحضار التاريخ وتقليب صفحاته… إنما نستحضر ما تقدم قياساً الى هذا الحاضر الذي هو محصلة أحداث وعبر وتطورات حفلت بالكوارث والمنعطفات الضخمة.
لنترك التاريخ ونَعُد الى واقعنا الذي أحسن غازي العريضي في توصيفه: فمن ينكر أنّ الأطياف اللبنانية كافة في مأزق، وفي خوف، وفي عجز عن التحكم بمسار الأحداث؟!.
المسيحيون الذين تخلّوا عن الحماية الغربية (بأشكالها المختلفة) وجدوا أنفسهم «مكشوفين» من دون أي غطاء: حرب السنتين وما تلاها من تطورات تكشّفت لهم عن حقائق مروّعة أبرزها ان لا الأم الحنون ولا الأب الرحوم موجودان عند الحاجة، تلك مخيّلة واسعة كانت، وسراباً كانت، واسطورة عاشوا معها طويلاً.
ويجب أن يعلم اخوتهم في المواطنة أن داخل المسيحيين ردة كبيرة واعتباراً ملحوظاً لاميل إده، وإصراراً على إنصافه فهو لم يكن ضد الإستقلال، إنما كان ضد «الإستقلال المسلوق».
تركوا فرنسا وأداروا وجوههم الى الغرب ليكتشف المسيحيون أنهم عرضة للهزات كلها!
الأمثلة أكثر من أن تحصى. على سبيل المثال لا الحصر تحدث الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في الستينات من القرن الماضي داعياً الى القبول بتقسيم فلسطين على قاعدة «خذ وطالب»… فقامت القيامة ووجد المسيحيون أنفسهم وقد تعرضت متاجرهم وممتلكاتهم في وسط بيروت الى هجمة شاركت فيها الجحافل… وكأن المسيحيين اللبنانيين هم الذين كلفوا رئيس تونس وزعيمها التاريخي أن يقول ما قاله (للمناسبة: كم كان بعيد النظر… فأين نحن اليوم من تقسيم فلسطين والحصول على نصفها؟ وهذا كان متاحاً في تلك المرحلة).
واليوم يجد المسيحيون أنفسهم عاجزين عن تعيين حاجب في الدولة، وليس بين الـ64 نائباً المسيحيين سوى أقل من ثلثهم جاءوا بأصوات مسيحية. فرضت عليهم الوصاية السورية قيادات ووزراء ونواباً معظمهم لا يمون على أهل بيته. تلتقي أكبر زعامتين لديهم على تسمية احداهما لرئاسة الجمهورية فتقوم القيامة لدى الآخرين. قالوا بمواجهة النزوح السوري بالعقل والمنطق، فقيل لهم: أنتم عنصريون… وها هم اليوم يقولون أكثر مما قال الفريق المسيحي الأكبر في موضوع النزوح. تتآكلهم الهجرة بعدما فرض عليهم تجنيس 350 ألف أجنبي «دفعة واحدة» وبمرسوم شمل العالم والأستاذ الجامعي و… المجرم والذي لم يزر لبنان ولم يعرف عنه شيئاً… ويقولون لهم: أما طمناكم الى أننا أوقفنا العد؟!. طمأنينة قال!
هذه عينة من هواجس المسيحيين، وسنستكمل هذا البحث في ما يتعلق بهواجس الأطياف الوطنية الأخرى من سنّة وشيعة ودروز وعلويين والأقليات المسيحية أيضاً (…).