منذ أن طرح أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله مسألة الذهاب إلى تسوية داخليّة شاملة كثرت التحليلات بشأن ما قصده، وتراوحت ردّات الفعل إزاءها، مع وُجود شبه إجماع – ولوّ حذر من قبل بعض الأطراف في موقع الخُصومة السياسيّة معه، على ضرورة تلقّف هذه المبادرة والبناء عليها في محاولة للخروج من حال المُراوحة المُدمّرة. فما هي أسّس هذه التسوية الشاملة، وما هي العراقيل التي تقف أمامها؟
بحسب مصادر سياسيّة محسوبة على قوى «8 آذار»، لم يقصد السيّد نصر الله بالتسوية التي دعا إليها التنازل عن التمسّك بترشيح العماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجمهوريّة، كما حاولت بعض الجهات السياسيّة الإيحاء به عن غير وجه حقّ، فهو لا يزال على موقفه من هذا الموضوع منذ بداية الأزمة، لجهة دعم الخيار الذي يتّخذه «الجنرال» حتى النهاية، إن كان لجهة التمسّك بهذا الترشيح أو لجهة التخلّي عنه في مقابل تنازلات من الجهات المُقابلة. وأضافت هذه المصادر أنّ أمين عام «حزب الله» لم يقصد أيضاً الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي لإدخال تعديلات على الدستور اللبناني، كا حاولت أطراف سياسيّة أخرى الادعاء أيضاً. وحرصت المصادر السياسيّة المحسوبة على قوى «8 آذار» على الإيضاح بأنّ ما قصده السيّد نصر الله بأنّ حلّ المشاكل العالقة لا يُمكن أن يتمّ «على القطعة»، يتمثّل في العمل على إيجاد تسوية سياسيّة شبيهة بالتسوية التي تمّت في مؤتمر الدوحة في أيّار 2008. وأوضحت أنّ هذا الأمر يقتضي هذه المرّة بالإتفاق على إسم رئيس الجمهوريّة، وعلى إسم رئيس الحكومة وعلى شكل الحكومة وتوزيع الحُصص الوزاريّة فيها، وكذلك الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات النيابيّة، وعلى إسم قائد الجيش المُقبل.
وكشفت المصادر نفسها أنّ السيّد نصر الله، ومعه الكثير من شخصيّات قوى «8 آذار» أصبحوا على قناعة تامة، أنّه ما لم تتمّ مُعالجة هذه المواضيع دُفعة واحدة، فإنّ فرص التوصّل إلى حلّ لأيّ من المشاكل الموجودة ضعيفة جداً. وأضافت هذه المصادر أنّه إذا كان صحيحاً أنّ العمل على حلّ كل المشاكل والعراقيل دفعة واحدة يَستوجب الكثير من الجهود ويتطلّب تجاوز الكثير من المطبّات، إلا أنّ الأصح أنّ هذا الأسلوب يُتيح للأطراف المعنيّة كافة تقديم تنازلات مُتبادلة، بحيث يقوم مثلاً هذا الطرف بالتنازل في «ملفّ ألف» ليُقابله طرف آخر بالتنازل في «ملفّ باء»، وهكذا دواليك.
في المُقابل، وبحسب مصادر سياسيّة محسوبة على قوى «14 آذار»، إنّ طرح التسوية الشاملة غير واضح المعالم بعد، لأنّه إذا كان المقصود مُجرّد إعادة صياغة لطروحات سبق وأن أطلقت خلال العام الماضي، ومنها مثلاً أن يُنتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة في مُقابل أن يُعيّن النائب سعد الحريري رئيساً للحكومة، وأن يتمّ تعيين قائد جديد للجيش من قبل «التيّار الوطني الحُرّ» في مقابل تعيين قائد جديد لقوى الأمن الداخلي من قبل «تيّار المُستقبل»، فهذا يعني بقاء الأمور على ما هي عليه. وأضافت إذا كان المقصود بالتسوية فرض قانون إنتخابات النسبيّة على الجميع كمدخل لحلّ الأزمة، تمهيداً لتقاسم السلطة التنفيذية لاحقاً بحسب نتائج هذه الإنتخابات، فهذا يعني بقاء الأمور على ما هي عليه أيضاً. وأوضحت المصادر نفسها أنّ عدداً كبيراً من شخصيّات قوى «14 آذار» لا يزال مُقتنعاً بأنّ الحلّ يجب أن يبدأ بانتخاب رئيس للبلاد، على الرغم من أنّ فكرة الحلّ المُتوازن والمُتزامن للمشاكل العالقة والمُتداخلة صارت أكثر قبولاً من السابق. وكشفت هذه المصادر عن مُشاورات حالية بين رموز قوى «14 آذار» بعيداً عن الأضواء، تمهيداً لتوحيد المواقف من دعوة السيّد نصر الله، في ظلّ ميل لدى هذه الرموز إلى أنّ موعد التسوية الشاملة لم يحن بعد، لكن لا ضرر في المحاولة.