IMLebanon

عقبات التسوية عند عون أم الحزب..؟

يمكن القول إن النائب سليمان فرنجية تجاوز منتصف المسافة في طريقه إلى قصر بعبدا، ولكن ذلك لا يعني أنه قطع كل المطبّات المزروعة على درب الرئاسة الأولى!

ولعل العكس هو الصحيح: كلما اقترب زعيم زغرتا من مقر الرئاسة، ازدادت العقبات خطورة، وكبرت أمامه الحواجز، وأصبح استهدافه أكثر إلحاحاً!

مشكلة فرنجية الحقيقية أن التسوية التي طرحته مرشحاً لرئاسة الجمهورية، قد جمعت بين خصمه اللدود  د. سمير جعجع، مع أقرب حلفائه في «الخط» العماد ميشال عون، وكلاهما لم يحالفهما الحظ بعد ترشحهما، في حين فُتحت أبواب بعبدا أمام فرنجية، حتى قبل أن يُعلن ترشحه رسمياً!

والمشكلة الأكثر تعقيداً ستبرز بحدة أكبر، في حال أخذت المزايدات المسيحية المعهودة، التيار العوني والقوات، إلى مواقع مسيحية مغلقة، وأكثر انعزالاً، فور إعلان جبهة مسيحية مفترضة ضد ترشيح فرنجية.

المسألة، في هذه الحالة، تتجاوز شخص المرشح، لتطال التسوية من أساسها، وشظاياها لن تبقى بعيدة عن الرئاسة والدور المسيحي الأوّل في السلطة، لأن الانتخابات الرئاسية ستعود إلى مهب النزاعات الداخلية، والصراعات الخارجية، والشغور سيستمر فترة أخرى من الزمن!

وتمديد الشغور الرئاسي يعني تمديداً لأزمة الحكم الحالية، وتفاقماً لمسلسل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتشابكة، واندفاعاً جنونياً أكثر هولاً نحو انهيار شامل للدولة، وللجمهورية، في مهاوي «الدولة الفاشلة» مع كل ما يترتب على مثل هذه الخطوة  الانتحارية من تداعيات ومضاعفات، تُهدّد البلد في أسس ومبررات وجوده!

فمن يتحمّل مسؤولية إيصال البلاد والعباد إلى مرحلة الانتحار الجماعي؟

* * *

ثمة من يرى أن العقبات التي تعترض التسوية ليست كلها ناتجة عن معارضة الرابية ومعراب لترشيح فرنجية، بل إن جزءاً مهماً من تلك العقبات هو نتيجة الموقف الغامض لحزب الله، الذي يواجه إرباكاً ظاهراً في تحديد خيار واضح من حليفيه المسيحيين: عون وفرنجية.

ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن الحفاظ على التحالف مع عون يبقى أهم من وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، لعدة اعتبارات، لعل أهمها:

أولاً: الاحتفاظ بتغطية عون المسيحية لمواقف الحزب في الداخل والخارج، وهو صاحب قاعدة مسيحية شعبية واسعة، ومنتشرة في أكثر من منطقة في لبنان.

وثانياً: إمكانية الحصول على رئاسة الجمهورية لفريق 8 آذار في أية تسوية مقبلة، على اعتبار أن الرئيس سعد الحريري سيكون هو المرشح الطبيعي لرئاسة حكومات العهد الجديد.

وثالثاً: إفشال تسوية ترشيح فرنجية، قد يُساعد على توفير فرص جديدة أمام العماد عون للوصول إلى قصر بعبدا: «الذي يقبل بفرنجية رئيساً يمكن أن يوافق لاحقاً، وفي ظروف معينة، على تأييد الجنرال!».

وفي إطار العرقلة، وزرع العقبات، يذهب بعض الغلاة الحزبيين إلى المطالبة بأن يتولى فريق 8 آذار اختيار المرشح لرئاسة الحكومة العتيدة مقابل تسمية الحريري للزعيم الزغرتاوي مرشحاً لرئاسة الجمهورية!

غير أن الوقائع تُشير إلى أن موقف الحزب النهائي من ترشيح فرنجية سيتحدد على خلفية جدية ومصداقية التفاهمات الدولية – الإقليمية التي تمّت في اجتماع فيينا الأخير، وأدت إلى هذا الانفراج في الوضع اللبناني.

* * *

الواقع أن تلك الاحتمالات لا تلغي رهانات أطراف لبنانية مؤيدة للتسوية، ترى أن الاتصالات التي ستنشط في الفترة التي تفصلنا عن آخر العام، كفيلة بتذليل العقبات الداخلية، وإنهاء «حالة الدلع والطمع» لدى المعترضين، في حال بقيت التفاهمات الخارجية متماسكة، وصامدة أمام التطورات المتلاحقة في الأزمة السورية، بعدما اتخذت المعركة ضد «داعش» طابع الحرب العالمية، اثر دخول فرنسا وبريطانيا والمانيا ودول أوروبية أخرى، أجواء القصف اليومي ضد القواعد الإرهابية.

أما في حال تأخير الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد نهاية العام الحالي، فالتسوية تصبح في خطر داهم، وعرضة للإجهاض، مما سيؤدي إلى إعادة الأمور إلى المربع الأوّل، بانتظار حدوث تفاهمات جديدة بين الأطراف الخارجية المعنية، الأمر الذي قد يستغرق أشهراً، أو سنة جديدة، ريثما تتوضح فيها ملامح المرحلة الانتقالية في سوريا، وتُحسم فيها مسألة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد.

ولكن هل الوضع المهترئ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً قادر على تحمّل فترة انتظار جديدة؟

صحيح أن السياسيين اللبنانيين هم أسياد الفرص الضائعة، ولكن من يُنقذ البلد من سياسات الانتحار المجاني؟