المكان الطبيعي لانتخابات رئيس الجمهورية هو تحت قبة المجلس النيابي، وبالاقتراع السرّي، ووفقاً لمواد الدستور وأحكامه، وقبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية المناط به تسليم مفاتيح القصر للرئيس الجديد.
بعد ذلك نتدرج في دركات «ما هو غير طبيعي». غير الطبيعي: تطيير الجلسات بتعطيل النصاب. وليس فقط تعطيل النصاب بل تعطيل قنوات «أروقة المجلس» نفسها، كأن التفاوض، في اطار ممأسس، في رؤساء الكتل البرلمانية شيء «غير مفكر به» في هذا البلد. غير الطبيعي أيضاً: التعامل مع فكرة «الاقتراع السرّي» كما لو كانت مزحة، وكما لو أنّ المشترع الدستوري اشترطها في «ساعة تخلّي».
أمام تفاقم الأوضاع غير الطبيعية، والإصرار على تعطيل الجلسات لسنتين ونصف، يصير المسعى لتأمين النصاب للجلسة المقبلة تحدياً له حيثيته، له ما يسوّغه، لكنه مسعى يتحرّك في وسط أوضاع باتت فاقدة لأي معيارية. وضع حد للشغور لو تأمن فيه مكسب أساسي بحد ذاته. لكن كل ما حصل منذ عامين ونصف العام، والى الآن، سيبقى جاثماً، كعنوان لملهاة كبرى: فأن يعتبر مبدأ الاقتراع السرّي مزحة، وأن يناقش الاستحقاق ويبت – أو يبت الاستمرار في تعليقه – خارج البرلمان، وأن يتفاقم الشغور كل هذه المدة، فهذا كلّه، لن ينتج عنه عودة الى «الوضع الطبيعي» مع انتخاب الرئيس العتيد. ملء الشغور هو عمل حسن لا يحتاج بحد ذاته الى تبرير، إذا ما كان البديل عنه امتداد الفراغ أكثر فأكثر. لكن الاعتراف ضروري بأن ملء الشغور يحدث بـ«المحاولة المختبرية» وليس بالقنوات الطبيعية، من قبة برلمانية وتداول كتل وتأمين جلسات نصاب ومراعاة عامل الزمن – الذي يفترض انتخاب رئيس قبل مغادرة الرئيس صاحب العهد، وفي أسرع مدة بعد ذلك. هذا الإقرار بأن «المحاولة» الآن مختبرية تماماً لا يقل أهمية عن ضرورة إنهاء الشغور بأي شكل كان.
بل إن هذا الإقرار ضروري للغاية حين يتعلق الأمر بتجسير الهوة النفسية، في الموضوع الرئاسي، بين «السياسة من فوق»، من طرف القيادات، و«السياسة من تحت» من طرف القواعد أو الناس.
الهوة تحتاج الى تجسير جدي، ومصارحة توضح بكل شفافية لماذا ملء الشغور مفضل على الاستمرار فيه، ولماذا يحتاج «التوليد المختبري» الى الحل الرئاسي، للمجازفة.
تجسير هذه الهوة يزداد أهمية مع كون التداول في الفراغ الرئاسي وسبل تجاوزه داخلياً، يتزامن مع أجواء إقليمية خطيرة في الموصل وحلب، وكل ما يثيره ذلك من تشنّج مذهبي وأهلي عابر للحدود، ومن مخاطر التمدد الإيراني في المشرق العربي.
نحن أمام مسعى توليد مختبري لحل رئاسي في لحظة إقليمية حرجة، وملتهبة، وفي هكذا لحظة لكل يوم من الآن حتى نهاية الشهر، الموعد المحدد للجلسة العتيدة، غلّته وحساباته وجدة تغريداته.