يبدو تأليف الحكومة مؤجلاً، على الرغم من مناداة كافة الاطراف، بعضها بصدق والآخر مراوغة، بضرورة إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري بسرعة خلافاً للتجارب السابقة، كونه المحطة الضرورية لانطلاقة العهد الجديد ودوران المؤسسات بشكل فعال. فالعرقلة الفعلية التي تتلطى خلف الخلاف على الحصص والحقائب هي شبه كباش لتحديد توجهات العهد الجديد محليا واقليميا.
فالمواجهة الحقيقية وراء الخلافات على توازنات الحكومة، على الرغم من قصر عمرها وارتباطها بالانتخابات التي ستُجرى بعد بضعة اشهر، هي مواجهة بين توافق الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري من جهة على تزخيم مشروع الدولة، وبين مشروع الدويلة الذي يواصل مساعيه للامساك بالسلطة الفعلية من جهة اخرى، خصوصا وهو المنتشي حاليا بتقدمه على الاراضي السورية.
كما توحي هذه العرقلة بأن الرهان على وصول الرئيس المسيحي القوي لا يعني مطلقا اللعب بأعراف المرحلة السابقة التي تكرست خصوصا بوجود «ترويكا« بين الرئاسات الثلاث، خلافا للدستور الذي ينص على ان التأليف ينحصر بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية حامل قلم التوقيع على التشكيلة الحكومية باعتبار ذلك اهم صلاحياته.
ووفق مراقب متابع لتطورات المواقف التفاوضية، فإن «حزب الله« الذي سبق له ان تلطّى خلف الرئيس عون لعامين ونصف العام، حتى يفرض الفراغ الرئاسي، يحاول حاليا ان يتلطى خلف ضرورة ارضاء النائب سليمان فرنجية وتعويضه وصولا الى التلويح بالامتناع عن المشاركة في حكومة لا يرضى فرنجية بالتمثل فيها.
ولا يضع المصدر المراقب العرقلة في خانة «انعدام الكيمياء» سواء بين الرئيس بري والرئيس عون «حليف الحليف» او سواء بين «حزب الله» و»القوات اللبنانية» حليفة الحليف كذلك. ويتساءل هل ما نشهده بين طرفي الثنائي الشيعي «هو تطابق كلي او مجرد تمايز مصلحي«؟ ويعرب عن خشيته من أن يتعدّى امتعاض الحزب من «دلال» التيار العوني لحليفه «القواتي« في الحصص الحكومية الى خشيته من مفاعيل التقارب بين الثنائية المسيحية والسنية السياسية. كذلك خشيته من ان تأتي مفاعيل الثنائية المسيحية على حساب «حزب الله» خصوصا أن عون الرئيس بات حاليا في موقع «الرابط الوطني» فيما كان في مرحلة سابقة ضد سوريا و«حزب الله« قبل ان يتحالف مع الاخير عام 2006 عبر «ورقة التفاهم«.
صحيح ان الامتعاض الشيعي لم يستهدف حتى الآن الرئيس عون مباشرة انما استهدف بالاسم صهره الأقرب الوزير جبران باسيل باعتباره كان المسؤول عن التفاوض مع «القوات« وإغداق الوعود الحكومية عليها. وهو ما اتضح في المقال الرئيس لصحيفة «السفير« قبل أيام قليلة والذي يعبّر عن «عدم رضى محلي واقليمي« هدفه لفت النظر الى ضرورة التصحيح حتى تتشكل الحكومة وينطلق العهد.
فـ»القوّات« تنازلت عن المطالبة بحقيبة سيادية، وضع الثنائي الشيعي «فيتو« عليها، تسهيلاً للعملية. في المقابل ثمة «فيتو« من «التيار العوني« على إعطاء فرنجية حقيبة وازنة ترضيه، حصرها بثلاث «الاتصالات«، «الاشغال« و«الطاقة«. وعلى من ستقع في النهاية حتمية التنازل حتى لا تؤول الحكومة الى إشعار آخر، وذلك حتى لا تذهب التنازلات التي قدمت لانتخاب عون سدى خصوصاً أن الصلاحيات الفعلية بيد الحكومة مجتمعة لا بيد رئيس الجمهورية.
كما وان الوقت الذي استغرقه التشكيل حتى الآن، وما زال في حدود الشهر، لم يتخطّ المقبول، فإن تخطاه هل بإمكان المسؤولَين دستورياً عن التشكيل، الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية، تقديم توليفة بمن حضر؟، وهو ما يستبعده المصدر نفسه خصوصا في ظل رد الرئيس بري «لا احد يهددني ولا اخاف الا الله» على تسريبات من هذا النوع اعتبرها تهديدا بمهل نهائية لفرض الحكومة.