لا تزال الأنظار موجّهة الى قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني، وما إذا كانت الكتل المسيحية ستنجح في إقراره وسط الهَبّات التشاؤمية التي تَلفحه. فعرقلة هذا القانون تطرح سؤالاً جوهرياً: هل هناك فعلاً ملاحظات تقنية عليه، أم أنّ عرقلته هي مجرّد ورقة ضغط على المسيحيين؟
واصلَ نواب تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» والكتائب اللبنانية و«القوات اللبنانية» بالإضافة الى المستقلّين اجتماعهم لليوم الثاني لتنسيق المواقف. وفيما كان مقرّراً إنهاء المناقشات أمس، اتفق المجتمعون على عقد جلسة ثالثة اليوم، تسبق الجلسة التشريعية المقرّرة غداً، في وقتٍ تُطرح تساؤلات عن مصير القانون إذا عُقدت الجلسة ولم يصِل المسيحيون و»المستقبل» الى اتفاق؟ وهل سيُعرض المشروع على التصويت ولا ينال الأكثرية؟
النائب ابراهيم كنعان أكّد بعد الجلسة أنّ «الخلاف في الرأي كان بين اكتساب الجنسية وتميّزه عن استعادة الجنسية»، لافتاً الى أنّ «النقطة العالقة والمتعلّقة بحق إعطاء المرأة الجنسية لأبنائها موضوع آخر، وأنا قلتُ منذ البداية انّ هذه المسألة تُعتبر اكتساب جنسية بنظرنا وليست استعادة جنسية، وبالتالي تحتاج الى آلية وتدابير وقوانين خاصة بها».
وفي السياق، أكدت مصادر متابعة لـ«الجمهورية»، أنّ «الأجواء إيجابية جداً على رغم عدم وجود اتفاق حتى الآن، فالمطلوب هو مزيد من الوقت لا أكثر، إذ لا نقاط خلاف إنما هناك حاجة لدرس كل بند، فهذا قانون في النهاية»، مشيرةً الى أنّ «كل طرف يرى القانون من موقعه الطائفي والسياسي ولهذا هم يحتاجون لتفصيله بغية الوصول الى نقاط مشتركة».
ورجّحت المصادر «أن يتّفق النواب اليوم. فالنوايا موجودة وكلّ الأطراف على يقين أنّ للمغترب الحق في استعادة الجنسية، وعلى وطنه تقدمة أيّ شيء له».
وعن موقف كتلتي «الوفاء للمقاومة» و»التنمية والتحرير» الغائبتين عن الاجتماعات، أوضحت المصادر أنّ «الأطراف الموجودة على صِلة وطيدة بتلك الغائبة، ولا بد من أنها تتشاوَر معها قبل اتخاذ القرار»، معبّرة عن تفاؤلها على هذا الصعيد.
أمّا من جهة النواب المشاركين، فكان الأمر مختلفاً، إذ بين تشاؤمٍ واضح وتفاؤلٍ خجول، يبرز حجم الخلاف. فقد أبدى النائب نعمة الله أبي نصر، عبر «الجمهورية»، تشاؤماً واضحاً، إذ لفتَ إلى أنّ «نقاط الخلاف عديدة، فبعضهم طالبَ بإدراج بنود تحوّل قانون استعادة الجنسية إلى قانون «توطين»، إذ إنّ النساء المتزوجات من أجانب،
واللواتي يرى البعض وجوب إعطائهنّ الجنسية لأولادهنّ، هنّ بغالبيتهنّ متزوجات من فلسطينيين أو سوريين، ما يؤدي لإعطاء الجنسية إلى أشخاص من غير أصول لبنانية، أمّا قانون استعادة الجنسية فهو يعيد الجنسية لأشخاصٍ آباؤهم أو أجدادهم لبنانيون»،
معتبراً أنّ «حظوظ الاتفاق قليلة جداً، وفي حال عُقدت الجلسة التشريعية من دون وصول المسيحيين و«المستقبل» الى اتفاق، أعتقد أنّ الأطراف المسيحيين لن يشاركوا، ولا أعلم عندها ما إذا كان الرئيس نبيه برّي سيذهب الى عقد الجلسة أو تأجيلها، بما أنها ستكون فاقدة للميثاقية الوطنية».
من جهته، قال وزير الاتصالات بطرس حرب لـ«الجمهورية»: «تفاهَمنا على صيغة مقبولة، وهناك إمكانية للتوصّل الى صيغة مشتركة، إنما بصعوبة، ففي هذا القانون أخطاء كثيرة تحتاج الى تصحيح، وقد يعطي نتيجة عكسية إذا بقيَ كما هو»، سائلاً: «المسيحيون اقترحوا القانون فهل يُعقل أن يُناقش في غيابهم؟».
أمّا النائب سمير الجسر فأوضحَ لـ»الجمهورية»، «أنه حتّى في حال عدم التوصّل لاتفاق، القانون سيُناقَش ويُصوَّت عليه»، كاشفاً «حصول اجتماعات جانبية ولجان، وهي تُقرّر وتطرح الأفكار، لذلك نحاول التفاهم، علماً أنّ هناك آراء مختلفة، ليس فقط لدى «المستقبل»، وعلى هذا الأساس يجري التصويت».
وأضاف: «هناك ملاحظات عدة على القانون، ونحن نُبديها باستمرار، فإذا أُخذت في الاعتبار لن نقِف في وجه هذا القانون، وعلى رغم نقاط الخلاف الموجودة، إلّا أنّ النقاشات المستمرة تساعد في تقليصها وتقريب وجهات النظر».
في المحصّلة، إنّ قانون استعادة الجنسية يعيد الى لبنان هيبته، أمّا عرقلته فتُحلّل بسيناريوهات عدة، على أمل أن يكون الضغط على المسيحيين مجرّد تكهنات لا تمتّ الى الواقع بصِلة.