إنزعاج عارم يتملّك طلّاب الجامعة اللبنانية في فروعها كافة، من الشمال إلى الجنوب. يكاد لا يمرّ أسبوع من دون تسجيل تحرُّك لحزب أو لتيار داخل حرم الكلية أو في محيطها مطالباً بعودة الحياة السياسية عموماً، وإجراء الإنتخابات الطالبية تحديداً. «من شو خايفين صَرلنا 8 سنين ناطرين؟» يسأل الطلاب في ما بينهم، على اعتبار أنّ الذرائع التي كانت تستخدمها الإدارة تلاشت، «الأمن منيح والزعماء متّفقين». في موازاة ذلك ترتفع أصوات مطالبة بالتريّث في الإنتخابات إلى حين الإتفاق على الإتّحاد الوطني للطلّاب.
يحزُّ في نفوس أعضاء الهيئات الطالبية في الجامعة اللبنانية ومسؤوليها أن يقفوا مكتوفين، يتأملون زملاءَهم في الجامعات الخاصة ينتخبون ممثّليهم وفق هيئات أو لجان أو نوادٍ، وغيرها من التصنيفات، فيما هم يُمدِّدون لأنفسهم، وبعد تخرُّجِهم من الكلية يورِّثون بعضهم.
«نحن مع إجراء الإنتخابات»، عبارة تختصر معظم آراء مندوبي الأحزاب والتيارات في «اللبنانية» على تنوّعِها، مؤكّدين أنّهم منذ نحو عامين عقدوا سلسلة إجتماعات ولقاءات تمّ الإتفاق فيها على «إجراء إنتخابات وفق القانون النسبي، فلا داعي للإنتظار».
«الكتائب»: تحرُّكنا مستمر
إعتصَم أمس طلّاب كلية الفنون – الفرع الثاني، بدعوة من حزب الكتائب، داخل حرم كلّيتهم وناشَدوا رئيس الجامعة الدكتور فؤاد أيوب «السماح بإجراء إنتخابات طالبية في ظلّ الهدوء الذي ينعم به الوطن»، واعدين «بأنّنا سنكون قدوةً في التعاطي الحضاري مع هذا الإستحقاق».
في هذا السياق، يؤكّد رئيس مصلحة الطلّاب في حزب الكتائب أنطوني لبكي أنّ هذا الإعتصام لن يكون الأخير، «نطمح إلى توسيع التحرُّك في مختلف الكلّيات لأنّ الإنتخابات مطلب يُمثِّل طلّابنا في الفروع كافة، لن نوفّر وسيلة ضغط».
ويقول لبكي لـ«الجمهورية»: «منذ العام الجامعي 2007-2008 حُرمنا من العمل الديموقراطي، الإنتخابات حقّ لكلّ طالب لأن يختار الهيئة التي تمثّله، لذا لا بد من تجديد الهيئات، وتوقيف التوريث والتمديد، خصوصاً أنّ معظم الطلاب تخرَّجوا من جامعاتهم».
ولفت إلى وجود «مواقف معرقلة غير معلنة تحت الطاولة، والدليل عدم إجراء الإنتخابات، رغم أننا تواصلنا مع المعنيين وعقدنا إجتماعين مع الرئيس أيوب، الذي نتفهّم أولوياته التي قد لا تصبّ في إجراء الإنتخابات… لكن موقف الغالبية المعلن يؤيّد الإنتخابات، ومنذ سنوات توصلنا إلى اتفاق بين المنظمات على اعتماد النسبية، من دون نتيجة».
«المستقبل»: مرآة لـ «النيابية»
يَعتبر مسؤول قطاع الشباب المركزي في تيار «المستقبل» بلال المير، أن الإستحقاق تحوَّل إلى «مين قبل البيضة أو الدجاجة»، موضحاً لـ«الجمهورية»: «أبرز الذرائع التي سمعناها أنّ الأوضاع الأمنية لا تتحمّل إجراء الإنتخابات فكان الإستحقاق يتأجّل، ولكن منهم من عارض إجراء الإنتخابات قبل تكوين إتحاد الطلاب العام، وحتى الآن لم يتم الإتفاق على صيغة موحّدة للإتحاد».
ويضيف: «من الأفضل إعادة الحياة السياسية تدريجاً إنطلاقاً من المتفق عليه، وطالما أن الأفرقاء متفقون على القانون النسبي، فلنبدأ بتطبيقه عبر إجراء إنتخابات طالبية»، لافتاً إلى أنّ «المشكلة تكمن في ممثلي الطلاب أكثر مما هي من الإدارة».
ويولي المير أهمية كبيرة للحياة السياسية في «اللبنانية»: «الإنتخابات في الجامعات الخاصة لا تعكس نبض الشارع الحقيقي نظراً إلى تأثير الإدارة فيها وبسط قوانينها الداخلية، لذا فالإنتخابات الطالبية في «اللبنانية» أصدق مرآة تعبيراً عن التوجّهات المنتظرة في أي استحقاق وطني منها الإنتخابات النيابية».
«القوات»: يخشون الهزيمة
يتمسَّك رئيس دائرة الجامعة اللبنانية في مصلحة الطلاب في «القوات اللبنانية» شربل خوري بعودة الحياة السياسية في اللبنانية، «لأنها تتيح للشباب التعرّف على من يختلف معهم في الرأي، وتُعلّمهم مبدأ تداول السلطات وغيرها من القضايا وسط أجواء ديموقراطية».
وينتقد في حديث لـ«الجمهورية» الإزدواجية في التعامل مع الطلاب، قائلاً: «منذ العام 2008 نطالب بإعادة الحياة السياسية والإنتخابات الطالبية، لا يمكننا التنظير بالديموقراطية من دون ممارستها، لذا نطالب الإدارة بتنظيم ندوات سياسية كما يحدث في الفرع الأول حيث يحضر النواب، فلا يمكن أن «نَزين الطلاب كلّ واحد بميزان»، فيما يُحرم طلاب الفرع الثاني من توزيع منشورات أو إقامة نشاط فكري ثقافي».
ويتابع متأسفاً: «لا نفهم سبب منع طلاب «اللبنانية» من العمل السياسي، هل رغبة بالإنغلاق على ذواتنا؟ وأبعد من ذلك، هل من فريق سياسي مُعيَّن يخشى أن يخسر بعدما كان ربح عدداً من الهيئات الطالبية؟».
ويضيف: «وعَدنا الرئيس أيوب بطرح الإنتخابات على مجلس الجامعة، لذا المطلوب منه اليوم الضغط على المجلس لإقرار القانون، فلا يمكن في كل مرة العودة إلى نقطة الصفر في نقاشاتنا بعد تبدُّل الرؤساء والمعنيين»، مؤكّداً إعداد «خطوات تصعيدية، بالإضافة إلى البيانات التي يصدرونها باستمرار».
«أمل»: هنا تكمن المشكلة
«تعدّدت الذرائع والمشكلة واحدة»، يقول مسؤول الجامعات في حركة «أمل» محمد مبارك، موضحاً لـ«الجمهورية»: «هناك محاولة تمييع للإنتخابات في مجلس الجامعة من ممثلي بعض الأحزاب، وتدور المشكلة حول الإتحاد الوطني للطلاب الجامعيّين، وتحديداً من أي لون طائفي سيكون الرئيس؟ وهل سيأتي مداورة بين الطوائف؟ أما نحن فلا نقبل مجرّد طرح الموضوع بهذا الشكل، لن نرضى بتكريس الطائفية».
ويضيف: «ما من قانون منجز لتحديد آلية الإتحاد الوطني، ونحن لا نشترط أي شرط، يمكن أن يترشح أي طالب لهذا المركز بصرف النظر عن لونه الطائفي حتى وإن كان علمانياً، المهم أن يحظى بقبول معظم الطلاب». ورداً على إمكان إجراء الإنتخابات الطالبية بداية، يُعلِّق: «المسألة ليست معركة أحجام أو أوزان، إنما بلوغ الطالب موقعاً مؤثراً في القرار».
«الأحرار»: نُمهل ولكن…
من جهته، يعتبر رئيس منظمة الطلاب في حزب «الوطنيين الأحرار» سيمون درغام، «أن عذر غياب الإنتخابات ولّى مع غياب الإصطفافات السياسية التي وصلت الى حدّ التصادم في السنوات المنصرمة… والإنتخابات باتت ضرورية لإعادة الحياة السياسية الى رونقها».
ويُحمِّل درغام عهد أيوب مسؤولية كبيرة، قائلاً: «كنا نعتبر أن إدراة «اللبنانية» خاضعة لسلطة «حزب الله»، ومثلما كان هذا الحزب يعطل البلد كاملاً كان أيضاً يعطل الإدارة، أما اليوم ومع العهد الجديد، فنأمل من الدكتور أيوب ألّا يكون هناك أي خضوع سياسي، بل العمل على تحرير الإدارة وإتخاذ الإجراءات المناسبة بحق أي طرف سياسي يعرقل إجراء الإنتخابات ومسار الحريات»، مشيراً إلى رغبتهم في التريث لإعطاء فرصة أمام الرئيس: «وضعنا مطالبنا في عهدة الرئيس أيوب وسننتظر إجابته خلال اسابيع قليلة، وعلى ضوئها اذا لم يتم تحديد أي تاريخ لإجراء الإنتخابات، سنتظاهر أمام فروع الجامعة».
«التيار»: لقرار جدّي
أما بالنسبة إلى مسؤول مكتب الجامعات في «التيار الوطني الحر» جورج بواري، فيعتبر أن المسألة تحتاج إلى قرار جدّي. ويوضح لـ«الجمهورية»: «لا بدّ من عمل جدي لإقرار قانون ميثاقي لإتحاد الطلبة كمقدمة لعودة الإنتخابات إلى اللبنانية، وعلى الإدارة إتخاذ قرار رسمي لإعادة العمل السياسي إلى الكلّيات لخلق جيل مثقف سياسياً»، مفضلاً «فتح النقاشات على أي اعتصام قد يعرقل حسن سير الحياة الجامعية ودراسة الطلاب».
ويُشدّد بواري على أنّ «إقرار «النسبية» وإعتمادها في الإنتخابات الطالبية يُثقف الطلاب ويُحضِّر جيلاً متمرِّساً ممّا يسهل إعتماده في الإنتخابات النيابية».
«اللبنانية»: النيّة موجودة
حيال الحماوة التي يأخذها منحى النقاش بين الطلاب، يبدو المعنيون في إدارة الجامعة اللبنانية أكثر هدوءاً وإستيعاباً لهواجس الطلاب. ولا ينفي مصدر مسؤول في الإدارة «أهمية الإنتخابات الطالبية وعودة الحياة السياسية إلى الكلّيات كافة»، لكنّه يستغرب «جدوى إجراء هذه الإنتخابات في ظلّ غياب الإتحاد الوطني للطلاب، الذي كان موجوداً حين كانت «اللبنانية» غير مقسَّمة إلى فروع بين المناطق… وبعد تلك المرحلة لم يعد هناك نظام للإتحاد، وأخذت الفروع طابعها الطائفي، لذا فإن المسألة دقيقة».
ويضيف موضحاً نظرة الإدارة الى الإنتخابات الطالبية: «ليس الهدف إجراء الإنتخابات لإجرائها فقط، إنما لإيصال صوت الطالب وتمثيله في إتحاد على نحو فعّال، وهذا يبدو صعباً قبل العمل على آليات محدّدة ونص قانوني لتشكيل المجلس على نحو مُقونن».
ويلفت المصدر إلى جملة محاذير، رافضاً التلطي وراء إصبعه، قائلاً: «طريقة التمثيل بين الفروع والمناطق ليست في منأى عن التجاذبات التي تشهدها الإنتخابات النيابية، والإختلاف على المناصفة وآلية تمثيل الطلاب، علماً أنه كانت هناك لجنة في الجامعة أجرت إتصالاتها مع الأحزاب، وجوجلت الآراء من دون أن تصل إلى نتيجة نهائية لتشكيل الإتحاد».
وإلى أي مدى تُشكل الإنتخابات الطالبية أولوية من أولويات الرئيس أيوب؟ يجيب المصدر: «أعطى الرئيس نفسه مهلة 6 أشهر لدوزنة أجندته، وهو منهمك في قضايا أكاديمية تنظيمية صرف، من ضبط العمل وتنظيمه، سدّ الثغرات، النقص، التحسينات، بما يصبّ في خدمة الطالب تربوياً، لذا فإن الإنتخابات لا تبدو في الدرجة الأولى».