IMLebanon

احتلال يتصدى لاحتلال

لم ترسل إيران حزب الله إلى سوريا لتحرير الجولان. ولا لمحاربة اسرائيل. ولا لإيجاد «توازن» رعب، أو قوة، أو ردع للكيان الاسرائيلي. ولم يكن في «أدبياتها» اللفظية ومجازاتها ومقاماتها وبرامج استراتيجياتها أيضاً تحرير مزارع شبعا من الجولان، ولا تهديد الأمن الصهيوني من عرسال. لم نقرأ أو نسمع كلمة واحدة عن «العدو» لا عندما «حُمِّل» الحزب «سلاح الانخراط» في الحرب السورية ولا عندما بدأ يعود مقاتلوه بالتوابيت والنعوش إلى لبنان. وجل ما أبلغنا الحزب و(إيران) انه استنفر «قواته» لحماية مقام السيدة زينب، واللبنانيين والموجودين على تخوم الحدود السورية. لكن بعد ذلك تفضّل الحزب (ووراءه) إيران، ليعلن علينا من عليائه و»شمخانه» انه في سوريا، للدفاع عن نظام بشار الأسد، ثم، ارسل الينا ما مفاده «انه لولا وجوده هناك، لسقط النظام المقدس».

وبعد ظهور «داعش» و»النصرة» غيّر الموجة ليقول لنا لولا وجوده هناك لوصل الارهاب إلى لبنان. (والارهاب كان قد وصل إلى عقر جماهيرية حزب الله في تفجيرات الضاحية). إذاً، من شعار مذهبي «حماية مقام السيدة زينب ويعني مجازاً حماية مقام النظام إلى «التصدي» للتكفيريين والارهابيين (الإمام الخميني أهدر دم سلمان رشدي بعد إصدار كتابه «آيات شيطانية») فإلى محاولة فتح جبهة في الجولان المحتل من القنيطرة.

هنا بالذات «ثلّثت « مع إيران أو «أربعتْ« أو «خمّستْ« أو أسدستْ جبهاتها: محاربة الشعب السوري الثائر، محاربة الإرهابيين، محاربة اسرائيل، من دون أن ننسى الجبهات الأخرى داخل الصراعات العربية: في العراق (مع الأميركيين) وفي اليمن (عبر حزب إيران الحوثي الانقلابي الذي يرى فيه اليمنيون ظاهرة ارهابية تهدد وحدة بلدهم)، فإلى جبهة لبنان (الدائمة) عبر تعطيل مجلس النواب وتعطيل انتخابات رئيس جديد للجمهورية. من دون أن ننسى «جبهتها» مع بلدان الخليج العربي وتهديداتها للمملكة السعودية…. والإمارات.

إذاً، ما شاء الله، فإيران (وأحزابها التابعة لها) أجندتها «الممانِعة» و»المقاوِمة» وصد التكفيريين، والاستئثارية والاستعلائية مليئة ولم يعد أي بند من بنود المواجهات غير شغال. في هذه «الاهتمامات» المتشابكة والمتداركة والمشوشة كان «أحفاد« الخميني ينكرون وجود أي قوات مسلحة في سوريا أو في لبنان. فقط خبراء «بالسموكينغ» لكن بلا كراات وبعطور فارسية «بخاخّة». خبراء جنتلمان. لا أسلحة. ولا حراس ثورة. ولا فيالق القدس. ولا أي تدخل عسكري في الصراع السوري. فسليماني يتنزه بين الجبهات وكأنه في جولات سياحية أو فكرية! وكذلك الجعفري .. بصفة «مراقبة» «ذائقة» البارود ونكهة البراميل المتفجرة، وعبير الكيماوي. اسرائيل لم تكن في وارد هذه «الهواجس» ولا فلسطين (والدليل ان حزب الله يشارك النظام في قصف مخيم اليرموك الفلسطيني، تماماً كما كانت الحال في الحرب على المخيمات الفلسطينية في لبنان!) ولا طبعاً مزارع شبعا، والجولان المحتل على الرغم من كل المعارك والقصف، والطيران السوري وبطولات حزب الله ضد شعب سوريا، لم يكن على خريطة الممانعة. لا عند النظام الذي جعل الجولان أرضاً سائبة لإسرائيل على مدى أربعة عقود، ولا عند حزب الله الذي صرح بعض قياداته بأن «الأولوية» ليست مواجهة اسرائيل لا من حدوده الشمالية مع لبنان ولا عبر أي نقطة من حدودها مع العرب. بل لإنقاذ النظام السوري الذي اعتبرت اسرائيل في بدايات الانتفاضة ان سقوطه «كارثة عليها»؛ مما يلتقي ونظرة إيران. (التوجه الاسرائيلي الأميركي واحد في سوريا والعراق!) . فإسرائيل على امتداد أربع سنوات من الحروب السورية، لم تكن من بنود الاستهداف أو حتى مجرد الازعاج، أو مجرد «الذكر» و»التذكر» و»التذكير» فمواجهة الشعب السوري وتهجيره تصدير وأولوية ثم استظهار الارهاب واستجلابه إلى لبنان، وتغذيته عبر المظالم التي أُلحقت بالسنة في العراق وسوريا… على أيدي إيران والمالكي (عميلها). كانت كلها منارات «المقاومة» التي سبق أن سقطت في 7 أيار في بيروت والجبل وفي تدخلها «المذهبي» في سوريا. اسرائيل ليست على الشاشة ولا على الرادار ولا على أي موجة. لكن فجأة بلبلنَا خبرُ العملية العدوانية الصهيونية على الأرض السورية في القنيطرة. وفاجأنا أكثر ان ضحايا العملية الاسرائيلية هم من حزب الله (جهاد مغنية، ابن عماد مغنية، التي اغتالته المخابرات الاسرائيلية قرب موقع أمني مهم للنظام في دمشق)، ومن عسكريين ايرانيين. وفي رأس الضحايا جنرال كبير اسمه محمد علي الله دادي… وستة من مرافقيه وخمسة من مسلحي الحزب . الحصيلة رمزان: جهاد مغنية والجنرال دادي. كانت ضربة قاسية للاحتلال الإيراني في سوريا من قبل الاحتلال الاسرائيلي في الجولان. احتلال يتصدى لاحتلال آخر وبينهما التوابع والملحقات الحزبية. خبر صاعق لا بفجائيته فقط بل بتوقيته وموقعه. قالت إيران إن الضحايا الموجودين كانوا «يتفقدون» المنطقة وذكر الاعلام الإيراني مقتل جنراله ولم يذكر الضحايا الآخرين. فليعلن حزب الله وحده اسماء كل ضحاياه!

بعد هذه الضربة الاستباقية للعدو الاسرائيلي (تشبه الخطف الإستباقي لعدد من الجنود الصهاينة داخل الخط المرسوم والذي أدّى إلى حرب تموز «المجيدة» وكلنا يعرف نتائجها الكارثية على لبنان وبركاتها على «انتصارات» الحزب «المبينة» بإذنه تعالى). بعد هذه الضربة كان من الطبيعي أن يستنفر الاعلام. فحزب الله غير معتاد «الهزائم» لأنه حزب الانتصارات الأبدية. اعلنت إيران الخبر هذه المرة. واسرائيل كذلك. بالإضافة إلى حزب الله.

[ على الجانب الإسرائيلي

فعلى الجانب الإسرائيلي استنفار على حدودها الشمالية مع لبنان. تحسباً لرد «مُباغت» من حزب الله، انتقاماً لضحاياه. وعلى صعيد الاعلام العبري، فقد بدا ان ثمة «توزيع أدوار» او تشوشاً، او تحايلاً: صحيفة «يسرائيل هيوم« شبه الرسمية اعلنت ان «قواتنا هاجمت خلية من المحزبين الكبار في الجولان السوري: مع هذا الاعلان برز تساؤل شرعي وتشريعي: هل كانت تعلم اسرائيل بوجود ضابط ايراني كبير، ورمز من رموز الحزب بين «الخلية»؟ ولكن أوضح الإعلام الصهيوني ان اسرائيل نجحت بقتل الرجل الذي وصفته بالخطير. لكن لاحقاً نشر الاعلام العبري» ان اسرائيل لم تكن تعلم بوجود جنرال إيراني كبير في المجموعة. ثم قالت مصادر ان الادارة الاسرائيلية «ظنت» ان المجموعة هذه مكونة من عناصر «عادية» لكن سرت موجة تصريحات اعلامية خصوصاً عبر مراسل القناة العاشرة للشؤون العسكرية الاسرائيلية مفادها «صحيح ان الضربة استهدفت جهاد مغنية إلا ان الهدف الأساسي لها قتل ابو علي الطباطبائي الشخص الذي يبني القوة الهجومية لحزب الله، والذي يدرب رجاله لاحتلال الجليل والمستوطنات«. وسبق هذه الاعلانات تصريحات سابقة تعود لعدة اشهر تعتقد فيها الاستخبارات الاسرائيلية ان جهاد مغنية هو المشرف على قوات حزب الله المنتشرة في الجزء غير المحتل من الجولان. فاجأنا أن يكون المستهدف هو الجنرال الإيراني بحسب اسرائيل، وأحياناً أخرى جهاد مغنية وأحايين انها كانت تجهل وجودهما…

لكن، ضمن هذه البلبلة (أو توزيع الأدوار)، كتب المحلل العسكري في «يديعوت أحرونوت« الكس فيشمان «ثلاثة عصافير اصطادتها اسرائيل بحجر واحد: قتل احد رموز حزب الله وتصفية جنرال في الحرس الثوري وانتهاك السيادة السورية. وكأن احتلال الجولان ليس انتهاكاً لهذه السيادة.

[ على الجانب الإيراني

هذا على الجانب الاسرائيلي، أما الجانب الإيراني فقد شعر بقوة الصفعة والصدمة، وفوجئ بها بطريقة جعلته يُخرج المخزونات والكليشيهات العتيقة للشعارات. فقائد العام للحرس الثوري الايراني محمد علي جعفري هدّد اسرائيل «بصواعق مدمرة» قائلاً إن استشهاد ابناء الأمة الاسلامية (يتكلم باسم اكثر من مليار مسلم في العالم) في القنيطرة يشكل مؤشراً آخر على قرب انهيار الكيان الصهيوني (رائع) (يذكرنا بتصريحات احمدي نجاد، وبعض الأنظمة العربية السابقة برمي اسرائيل بالبحر وبأن اسرائيل لا تستطيع الصمود أكثر من ست ساعات أمام قواتها وجيوشها. طبعاً هذا كان قبل 1967 وهذا ما ردده السيد حسن نصرالله في السابق مشبهاً اسرائيل بأنها اوهى من بيت العنكبوت. (بنفخة واحدة تطير).

وأخيراً طمأن الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بأن «التجربة اثبتت ان المقاومة سترد بقوة وحزم ثوري (لا جهادي) في الوقت والمكان المناسبين (هذا التصريح تكرار لتصريحات النظام السوري عند كل هجوم تشنه اسرائيل على الأراضي السورية). مفهوم. اما أوساط حزب الله في التلفزيونات ووسائط الاعلام فتؤكد ان الرد آت بلا ريبة من دون تحديد المكان والزمان. اذاً اسرائيل الآن تنتظر الرد وايران تهيئ له عبر اداتها حزب الله. أو عبر «المقاومة». وهذا يعني ان إيران لن ترد هي بقواتها العظيمة الجرارة الحديثة على اسرائيل… بل حزبها! (تماماً كالنظام السوري السابق): أي رد بالوكالة ولبنان «بلد» الحروب بالوكالات الحصرية وغير الحصرية.

[ .. ونظام الممانعة!

من الطبيعي أن يستغرب العالم (لا الممانعون) ان السجال، ما بعد الضربة الاسرائيلية في القنيطرة انحصر بين إيران واسرائيل. فإذا كانت هذه الضربة انتهكت السيادة السورية فيعني أن الضحايا أيضاً من الحزب وايران مُنتهكون لهذه السيادة. لكن الغريب العادي ان الجميع تناولوا هذا الانتهاك ما عدا نظام الممانعة. فكأن الارض ليست أرضه. بل كأنه بات لإيران دوران وأكثر في هذه الأرض العربية: الدفاع عن النظام و»الدفاع» عن الأرض. والنظام اثناء العملية الإسرائيلية في الجولان، كان يقصف بالبراميل المتفجرة الشعب السوري، ويدمر الأحياء، ويسقط ضحايا مدنيين! كأن «شرعيته» الباقية تنحصر في هذا الدور: لا السيادة، ولا رد العدوان (ومتى رد عدواناً) وترك أمور الحدود والقرارات الأمنية وخرائط الحروب وفتح جبهة في الجولان من مهمات سواه: كأن الصراع بات «إيرانياً» صهيونياً هذا اذا سميناه صراعاً، وسوريا وشعبها غير معنيين به. ولم يخطئ الصحافي الاسرائيلي عندما قال إن الضربة اصطادت ثلاثة عصافير بحجر واحد: الجنرال الإيراني والرمز الحزبي وسيادة الأرض السورية. لكنه تناسى هذا الصحافي ان السيادة السورية قد انتهت صلاحياتها أولاً في الجولان المحتل وثانياً بعد الثورة الشعبية واستجلاب مقاتلين واطراف كإيران الى الساحة، لتصادر شرعية الدولة… والنظام اللذين وقعا تحت الوصاية الإيرانية وكما كانت تعامل الوصاية السورية اللبنانيين والدولة فها هي تُعامَل بالمثل من قبل ايران التي تحولت قوة محتلة لهذه الأرض العربيةـ، كما هي في لبنان، والجزر العربية الثلاث واليمن والعراق! فسليماني يذكرنا برستم غزالي (الذي لا شبيه له!) وخامنئي يذكرنا بحافظ الأسد…

لكن الجميع، بمن فيهم، اسرائيل، تنتظر الرد وهي تعلم انه لن يأتي على الأرجح من ايران المعنية مباشرة بفقدان جنرالها «المؤمن» دادي. ولن تستنفر قواتها وجيوشها واسلحتها «المدمرة» لتدمر كيان اسرائيل ونظامها ووجودها. لا! اسرائيل تنتظر الرد الايراني بالواسطة وبالوكالة والوكيل الحصري هو حزب الله سواء في سوريا أو في لبنان. صحيح ان قيادات إيرانية صرحت بأنها تريد «رد الاعتبار للحزب اللبناني» لكن الأصح ان الحزب هو الذي سيرد لها الاعتبار من خلال احتمال توليه «الانتقام» (وكأن الحرب مع اسرائيل باتت مجرد رد فعل انتقامي لا تحريري!).

اذاً الكرة الايرانية عند حزبها «اللبناني» الذي ضحى حتى الآن بأكثر من الف قتيل خدمة للنفوذ الإيراني في سوريا. وها هو مستعد لبذل الدم والروح من أجلها!

[ .. واللبنانيون

لكن، أين اللبنانيون من كل هذا؟ قرأنا ان اللبنانيين يضعون ايديهم على قلوبهم خوفاً من رد الحزب على اسرائيل من داخل أراضيهم. صحيح أن «المقتلة» الكبرى تَمَّتْ على ارض سورية، لكن من الممكن أن يصدر الرد من لبنان، وهذا متوقف على الإرادة الايرانية التي يخضع لها الحزب بفعل تراتبيته الفقهية والعسكرية. أي «باعتبار ان المقاومين اللبنانيين جنود في جيش ولاية الفقيه». وعلى الجندي ان يمتثل لقرارات جنرالاته!

فمصير اللبنانيين وبلده ومدنهم وارواحهم في قبضة «ملائكة» ايران! تماماً كما في قبضة النظام السوري الاسرائيلي. هذا القلق يقض مضاجع السواد الأعظم من سكان البلد في انتظار كيف سيكون «حجم» الرد ومكانه. جماعة القوالين في وسائط الحزب يطمئنوننا: الرد لن يستدعي حرباً (هذا ما صرح به السيد حسن نصرالله بعد خطف العسكريين الاسرائيليين الذين ادى إلى حرب تموز). وكأن هؤلاء القوالين هم الذين يقررون عن اسرائيل احتمال الحرب أو مجرد المناوشات! لكن معظم هؤلاء القوالين يصرحون بأن: حزب الله سيرد! من دون ان يتساءلوا عن دور الشعب اللبناني والدولة والجيش- والحكومة في هذه القرارات. بل بعضهم تذكر المعادلة الثلاثية «الشعب الجيش المقاومة» ليبرر عدم حاجة الحزب إلى أي عودة إلى مؤسسات الدولة. وكأنما بات عندنا رئيس من حزب الله غير معلن، وليس عندنا رئيس شرعي للبلاد. كل هذا يدور في ظل تعطيل الانتخابات الرئاسية من قبل حزب الله ووراءه ايران. وهذا يريح الحزب، لأنه يغذي بعض نرجسياته «الفردية» والجماعية بشعور الاستئثار والهيمنة والسلطة «المطلقة»: هل بات هذا الحزب حزب الميغالومانيين او الانفصاميين أو «النرجسيين» تيمناً بالميليشيات المذهبية السابقة؟!

فنحن حتى كتابة هذه السطور على خشبة مسرحية: المكان: القنيطرة، الجنوب اللبناني، الزمان: ما بعد العدوان الاسرائيلي على الارض السورية العربية. الشخصيات: اسرائيل بقادتها وايران بملاليها وفي الكواليس حزب الله… في انتظار دور «كومبارس» بطولي!

على الخشبة المسرحية يفتقد المتفرجون لبنان، والنظام السوري. المعنيون غائبون. اصحاب الارض غائبون. (ويمكن تمثيلهم بمشخصاتية من كرتون كجزء من الديكور أو السينوغرافيا المعبرة). الشخصيات المعنية: الشعبان اللبناني والسوري من هيئات كرتونية والوكلاء بكل تدججهم وقوتهم وشخصياتهم الأصلية البطولية. انه المسرح العبثي الممزوج بالتراجيديا الاغريقية بالكوميديا السوداء.

ويمكن وضع عشرات الببغاءات في اقفاص على خشبة المسرح وهي تردد مذعورة: اين سيكون الرد يا رب! يا رب استرنا! ارحمنا.

الببغاءات هنا هي الأبطال الحقيقيون الذين انمسخوا طيوراً… تكرر بأصواتها القاسية الخوف الأقصى، والانتظار المجهول.