لا 11 تشرين 17 ايار،
ولا ميشال عون أمين الجميل،
ولا نجيب ميقاتي شفيق الوزان،
ولا نبيه بري، خصوصًا نبيه بري، كامل الأسعد.
لم يُعطِ اتفاق 11 تشرين للبنان أكثر مما كان اعطاه 17 أيار، ومع ذلك هناك مَن خوَّن الرئيس أمين الجميل، والرئيس شفيق الوزان والرئيس كامل الاسعد، وللتاريخ، لو أنّ اتفاق 17 ايار حظي بتغطية اميركية كتلك التي حصل عليها اتفاق 11 تشرين، فمَن كان يجرؤ على الإعتراض عليه؟
هذا يؤكِّد أنّ الولايات المتحدة الأميركية، الدولة العظمى، حين تقرر، لا أحد يقف في طريقها، لا إسرائيل ولا غير إسرائيل . قالوا عن الرئيس الأميركي جو بايدن إنه رجلٌ ضعيف، ولكن لنتطلع إلى ما حقق:
اتفاق بين لبنان وإسرائيل وافق عليه عتاة مَن كانوا «سيرمون إسرائيل في البحر» أي «حزب الله»، كما وافق عليه رأس الدولة الذي يرتبط بتفاهم مع «حزب الله»، ورئيس مجلس النواب، رئيس حركة « أمل»، وهو الضلع الثاني في «الثنائي الشيعي»، وهو الذي يفاخر بأنه كان أحد الرموز الذين أسقطوا اتفاق 17 أيار .
حّبذا لو يخرج أركان 17 أيار عن صمتهم ويكشفون للرأي العام حقيقة ما جرى في 17 ايار، ولماذا ألغي؟ مع أنّ لبنان عاد إلى مفاعيله بتأخير نحو أربعين عامًا.
المعنيون بهذه المكاشفة رئيس الجمهورية في ذلك الحين الشيخ أمين الجميل وسفير لبنان آنذاك في واشنطن عبدالله بو حبيب، والذي فصَّل في كتابه «الضوء الأصفر – السياسة الأميركية تجاه لبنان» أسرار اتفاق 17 أيار وما خُفي منه، وكيف أنّ لبنان كان الحلقة الأضعف بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وسوريا والفلسطينيين، وثمة مَن يقول إن الرئيس الجميل أخطأ في عدم التوقيع على الإتفاق، لأنه دفع الثمن مزدوجاً: ثمن التوصل إليه وثمن إلغائه. فالإتفاق في الاصل كان مُحرِجاً لرئيس الحكومة آنذاك، شفيق الوزان، ومع ذلك وقَّع عليه، وهو قال لوزير الخارجية الاميركي آنذاك جورج شولتز، وهو يعطيه موافقة حكومته عليه: «هذا يومٌ أسود في حياتي» . فحين يوافق مجلس النواب الذي يترأسه شيعي، وحين توافق الحكومة برئاسة سنِّي، فلماذا لا يوافق الرئيس المسيحي، هل هو وطني اكثر من الرئيس كامل الاسعد والرئيس شفيق الوزان؟
إنتظر البلد أربعين عاماً ليصل إلى اتفاق كان يمكن توقيعه في ايار 1983. ومعبِّرة جداً كانت نصيحة الرئيس الراحل سليمان فرنجيه للرئيس الجميل وتضمنت: «لا تُلغِ الإتفاق قبل أن تقبض ثمن الإلغاء». لكن الرئيس الجميل لم يأخذ بالنصيحة، فألغاه من دون أن يتقاضى أي ثمن في السياسة.
ثم هناك «تفصيلٌ» صغير، إذا كان الاتفاق انتصاراً للبنان، فلماذا لم يتجرأ المعنيون به على نشره؟ ماذا كانوا يخفون؟ ومِمَّ يخجلون؟ هل كان على اللبنانيين أن ينتظروا تغريدةً من صحافي إسرائيلي تضمَّنت نص الإتفاق ليطَّلعوا عليه؟
إن الذين فاوضوا اليوم عن الجانب اللبناني ليسوا أكثر وطنية من رئيس الوفد اللبناني إلى المفاوضات التي أدّت إلى اتفاق 17 أيار، أي السفير أنطوان فتال والرئيس انطوان بارود والسفير ابراهيم خرما والعميد عباس حمدان والناطق الرسمي الاستاذ داوود الصايغ.
مَن يقرأ اتفاق 17 ايار ويقارنه باتفاق 11 تشرين يكتشف كم أنّ التضليل يطغى على الحقائق.