“من المعلوم أن الأمم التي تفقد حسّها النقدي وتمتنع عن إعادة النظر بسلوكها محكومة بالتخلّف ولا تستطيع بناء ذاتها ومواكبة العصر، فإلى متى يبقى وطننا رهينة تحجّر المواقف وغياب مراجعة الذات؟”.
العماد ميشال عون
غداً، ويا خوفي من غدي، تطلّ على اللبنانيين الذكرى الثلاثين لعملية 13 تشرين الأول، التي أوكِلت مهمة قيادتها عملياً لقائد الجيش اللبناني العماد إميل لحّود ونفّذها الجيش السوري وطائراته، فأنهى “حال التمرّد” بساعات.
ومن صمد من الوحدات العسكرية الموالية للعماد عون كان مصيرها القتل أو الأسر. إستسلم “الجنرال” إذاعياً ولم يصل الخبر إلى الضبّاط والجنود الأشدّاء.
يتحمّل مسؤولية أحداث ذاك اليوم الدامي بالدرجة الأولى، “بالحس النقدي” وبكل المعايير النقدية والموضوعية اثنان: العماد ميشال عون والرئيس حافظ الأسد.
الأوّل اُبلِغ بالعملية واعتبرها مجرّد تهويل عليه، والثاني قرر اقتلاع الجنرال “مثل ضرس” وكان يتحيّن الفرصة الإقليمية المناسبة منذ تلك الليلة التي توهم فيها أنه سيكسّر رأسه بعدما خلخل المسمار.
يتحمل المعتدي مسؤولية الدخول إلى قصر بعبدا، رمز الشرعية اللبنانية، وهذا ما لم يفعله جيش “الكيان الإسرائيلي”.
ويتحمل المعتدى عليه مسؤولية مغامراته المتمادية وغير المحسوبة النتائج.
المهم، برأيه، أنهم لم يأخذوا توقيعه.
يا لغبطتنا بتلك البطولة الفارغة التي عشنا عليها لأعوام فرحين مهللين منتشين لوعدنا لسماعها مع عودة ديغولنا إلى الديار، مخاطبنا من خلف زجاج عازل بـ”يا شعب لبنان العظيم” رافعاً علامة “التيار” المنتصر.
أما آن لنا كأمة أن نعيد النظر في قراءتنا لتواريخ هزائمنا الكبرى، و13 تشرين هزيمة موصوفة ذهب ضحيتها جنود شجعان بعدما ذهب من ذهب إلى السفارة الفرنسية على عجل؟
كل المهانة التي لحقت بنا، والمستمرة تلحق بنا وبأولادنا، في عهد واحد، غير متصل بالزمن، منفصل عن الواقع، يوزع علينا المثاليات والحِكم هي النقيض التام للكرامة الوطنية، وتوجب “إعادة النظر في سلوكنا” أمس، قبل الغد من رأس الهرم إلى قاعدة الأمة.
أما آن لنا أن نفهم أن غرور بعض الصبية، وتصوّرهم امتلاكهم قوة “قلب الطاولات” و”جرف” الخصوم في لحظة لا يتوقعونها وتوهّمهم إنجاز “انتصارات ميثاقية”… ساهمت بسوء تقدير الموقف والعجز الكارثي في الإمساك بدفة “سفينة الوطن”؟
إلى متى يبقى وطننا أسير فولكلور الرقص على الموت؟
وكيف يتم “بناء الذات” في ظلّ حكم واقف على شوار وما زال يفتش أنصاره عن حقيقة ذاته الإلهية ونوابه يحسدون الشعب على نعمة وجوده (راجع مختارات سليم عون).
كيف نواكب العصر ونحن عاجزون عن مواكبة سعر علبة فول مدمّس؟