IMLebanon

13 تشرين الأول 1990 كما يجب أن يُقرأ

 

13 تشرين الأول 1990 محطة تاريخية خلافية جديدة تضاف الى سواها من الخلافات بين اللبنانيين حول المفاصل التي عرفها تاريخ لبنان الوسيط والمعاصر، منذ عهد الإمارة حتى اليوم مروراً بالقائمقاميتين والمتصرفية وحتى الجمهورية الأولى. اللبنانيون عجزوا حتى الآن عن تقديم كتاب تاريخ موحّد لوطنهم موجّه لأجيالهم وللعالم، فقد اختلفوا على الأمير فخر الدين المعني الثاني ودوره في التأسيس للفكرة اللبنانية إنطلاقاً من زعامة جبل لبنان ودعوته الموارنة الى جبل لبنان الجنوبي وتقديم قرية مجد المعوش للبطريرك الماروني لتأمين حمايته بطلب من روما.

 

وهم مختلفون حول الأمير بشير الشهابي سليل العائلة التي مثّل تحوّلها من الطائفة السنيّة الى المارونية على يدّ المعلم بطرس البستاني البداية لإختراق الجبل، من خلال التأسيس لصراع طائفي تمهيداً لزعزعة إستقرار الدولة العثمانية. وهم منقسمون حول دقة وصحة سرديات مواجهات بطوليّة مع السلطنة العثمانية، فقد بنى بعضهم عليها نظرية «لبنان الملجأ». وهم منقسمون حول دور القنصليات الغربية ولا سيما الفرنسية في تجنيد اللبنانيين من مختلف الطوائف للعمل على زعزعة استقرار السلطنة العثمانية، بالتوازي مع المعارك التي كانت تخوضها إبّان الحرب العالمية الأولى، حيث برزت إشكالية تتعلّق بشهادة من أعدمتهم السلطات العثمانية في السادس من أيار من العام 1916، فهم في نظر البعض عملاء للغرب وأعداء لسلطة الدولة التي حكمت المنطقة من مصر حتى المشرق العربي، وهم شهداء في نظر البعض الآخر لأن الغرب بالنسبة له يمثّل الخيار البديل الذي يتناسب مع إنتمائه الديني والثقافي الذي أسّست له مدارس الإرساليات على اختلافها.

 

لم يتفق اللبنانيون كذلك على تأريخ حقبة الجمهورية الأولى التي استندت الى إرث خلّفته دولة لبنان الكبير وامتد حتى توقيع اتّفاق الطائف وتعديل الدستور في العام 1989. إعتبر الموارنة وهم الفئة المستفيدة أنّ ما وضعه الفرنسيون غير قابل للتعديل، غير مدركين أنّ الكيان الذي تمّ ترسيمه كان الحلّ الممكن بين توزيع الجغرافيا التي يسيطر عليها الفرنسيون بين دولتين هما لبنان وسوريا، وايجاد وطن قابل للحياة بأكثرية مسيحية، وأنّ ما تمّ ترسيمه لا يستطيع الصمود أمام حقائق الجغرافيا والتاريخ وعلم الإجتماع. الموروث السياسي الدستوري الذي عاشت الجمهورية الأولى في ظلّه استند الى دستور 1926، الذي عُدّلت فيه المواد المتعلّقة باللغة الرسمية والدولة المنتدبة في العام 1943، والذي نقل صلاحيات المفوض السامي المطلقة إلى رئيس الجمهورية ، أما الموروث الإقتصادي والدبلوماسي فلم يراعِ المساواة بين اللبنانيين في توزيع الإمتيازات الإقتصادية والعلاقات الدبلوماسية بل كرّس إستئثاراّ سياسياً وإقتصادياً لفئة من اللبنانيين.

 

فشلت الجمهورية الأولى التي عاشت احتضاراً سياسياً طويلاً امتد منذ العام 1952 وحتى 1989 لأنها لم تعترف بالإقليم الجغرافي الذي تنتمي إليه ولم تقرأ خصوصياته وتاريخه وعوامل استقراره، بل حاولت إسقاط قواعدها عليه. فشلت الجمهورية الأولى وسقطت ولم يتّفق اللبنانيون على قراءة موحدة لتاريخها بما يؤدي الى الإستفادة من الدروس وأخذ العِبر.

 

تتكرر المأساة عينها مع الجمهورية الثانية التي يشكّل يوم الثالث عشر من تشرين الأول 1990 أحد مفاصلها التاريخية. وتشكّل قراءة التيار الوطني الحر لهذا التاريخ وما تلاه، كتيار سياسي موجود في السلطة وتحديداً في موقع الرئاسة الأولى، تجاهلاً للوقائع ومحاولة لاختلاق وقائع جديدة، وكأنّ رئاسة الجمهورية الحالية في لبنان هي استمرار أو نتيجة للموقف المتمرد على الشرعية وما أعقبه من أحداث أليمة في 13 تشرين الأول 1990.

 

ولكي لا يتمّ إغراق هذا التاريخ في غيبيات السياسة اللبنانية ويتحوّل بعدها الى محطة خلافيّة تُضاف الى سابقاتها من السرديات اللبنانية ينبغي التوضيح:

 

أ) إنّ 13 تشرين الأول 1990 هي ذكرى انتصار الجمهورية الثانية التي انبثق دستورها من وثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّت في مدينة الطائف برعاية دولية وإقليمية وصادق عليه المجلس النيابي.

 

ب) إنّ 13 تشرين الثاني 1990 هي ذكرى توحيد مؤسسات الدولة السياسية والأمنية المنقسمة منذ العام 1975 بعد إمعان السلطة السياسية في التنكّر للمساواة في الحقوق السياسية بين اللبنانيين، وعدم قدرتها على قراءة المتغيّرات الإقليمية والدولية بشكل صحيح، ولا سيما التحالف السوري الأميركي في المنطقة.

 

ج) إنّ الأحداث الأليمة التي جرت في التاريخ المذكور كانت نتيجة القراءة الخاطئة للأحداث والتطورات الإقليمية، ونتيجة الإمعان في تقدير الموقف بطريقة خاطئة، وإنّ الإدعاء بأنّ ما جرى كان بهدف تحرير لبنان قد أدّى الى دخول الجيش السوري الى لبنان بشكل كامل والى هيمنته على الحياة السياسية وتعطيل تطبيق الدستور.

 

د) إنّ رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على لبنان منذ ذلك التاريخ من الرئيس الشهيد رينيه معوض وحتى العماد عون هم رؤساء انتخبوا بموجب دستور الجمهورية الثانية المنبثق من إتّفاق الطائف، وأنّ كل الأعراف التي يتمّ تكريسها بالممارسة لن تجعل من الرئاسة الحالية امتداداً للجمهورية الأولى.

 

إنّ الحكومة اللبنانية مدعوة لتأريخ هذه المناسبة بشكلها الصحيح، سيما أنّ أحداثها لا زالت ماثلة أمامنا لكي لا تدخل في غيبيات السياسة اللبنانية ولكي لا تشكّل المنابر التي تصدح في كل عام تزويراً للحقيقة. وربما يكون هذا التاريخ هو عيد الجمهورية الثانية أو عيد توحيد المؤسسات.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات