13 تشرين اول 1990، يوم عمره 29 سنة، اذكره كما لو انه حصل بالامس، لانني عشته بحكم موقع منزلي السابق في بلدة لويزة – بعبدا المشرفة على وزارة الدفاع التي احتلها الجنود السوريون، وهم يسوقون امامهم عدداً كبيراً من ابناء وطني، نساء ورجالاً واطفالاً، البعض حفاة، والبعض نصف عراة، مرّوا من امام منزلي وهم ينشدون ما امرهم به السوري.
كنت استرق النظر من نافذة ضيقة، عندما هدأت فجأة طريق الجلجلة، وسمعت صوتاً يقول بلهجة آمرة «من اي جيش انت ولا» فاتى الجواب هادئاً واثقاً «انا من جيش عون»! اعدموه صرخ الصوت الآمر، وسمعت صوت رشق رصاص، اكملت بعده قافلة المنتصرين على وقع غناء المهزومين، الذين كانوا يشكلون الرهائن الذين يحمون جنود الاحتلال، وهم في طريقهم لاحتلال وزارة الدفاع، شرف اللبنانيين، وعزّتهم.
بعد ابتعادهم بنصف ساعة، ركضت مع من ركضوا الى مدخل البناية، فوجدنا جندياً بلباسه العسكري غارقاً في دماء استشهاده مثله مثل المئات الذين اعدموا بدم بارد، حتى بعد استسلامهم، وعرفنا لاحقاً انه جندي غير مقاتل وكان يعبر الاوتوستراد من جهة الى جهة.
13 تشرين اول 1990 ، انه جرح نازف مفتوح في تاريخ العلاقات السيئة بين اللبنانيين والجيش السوري الذي غزا بلادنا تحت شعار الاخوة، وتصرف في ذلك اليوم وبعده، تصرف العدو المحتل، ويهمني في هذه الذكرى الاليمة ان انوه بالزميل شارل ايوب صاحب ورئيس تحرير جريدة «الديار»، واشيد بشجاعته التي لا حدود لها، عندما نشر على الصفحة الاولى للديار صوراً للجنود والضباط الذين تم اعدامهم، ونقلت جثثهم الى مستشفى بعبدا الحكومي، شعوراً منه بهول الجريمة التي ارتكبت بحق رفاق له في السلاح، ولم يخش لومة لائم…
الصور. بحدّ ذاتها، والموجودة بارشيف الديار، تترك في النفس كثيراً من الغضب والحقد، لان ما حصل في لبنان يوم 13 تشرين الاول 1990، لا يجوز شرعاً، وبموجب القوانين الدولية ان يحصل بين جيشين عدوّين، وهل يلام اللبنانيون الذين اعتبروا الجيش السوري بعد المجازر التي ارتكبها، بانه جيش احتلال.
هناك ضباط وجنود، حاول السوريون اذلالهم، فطلبوا منهم الركوع، ورفضوا بكل اباء وشجاعة وهم يعرفون انهم مساقون للذبح وهكذا صار.
المجد والخلود لشهداء الجيش اللبناني، والاحترام الكبير للذين اهينوا وعذّبوا وسجنوا، ولم يبدلوا تبديلا.