IMLebanon

“التشرينيون” لإعادة التماسك بعد فرز “الصادق” عن “الانتهازي”

 

الانتخابات النيابية شرذمت الثورة.. وخُطط لاستباق الإنفجار الإجتماعي

 

لم يُفاجأ من تابع تحركات الشارع مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين وقبلها ثم بعدها، بعودة المتظاهرين الى الساحات، مثلما لم يُفاجأ بتواضع الأعداد التي تشير الى مصفاة حقيقية لـ”الثورة” وفرز المناضلين فيها من أصحاب المشاريع الشخصية التي بيّنتها الانتخابات النيابية التي اندثرت معها مجموعات ثورية هجرت الانتفاضة، سواء لأسباب ذاتية وموضوعية أو لأسباب مصلحية.

 

 

شكل تحرك ساحة رياض الصلح إشارة رمزية الى زمن تلك الساحة التي اشتهرت منذ انتفاضة النفايات العام 2015، وما زالت تصدح بالهتافات حتى اللحظة التي يريدها المنتفضون لحظة فصل بين زمن ثوري مضى وآخر تعيشه البلاد، مع تغير الظروف وتبدل المشاركين في وجه عام.

 

لعل السمة الأهم لهذا التغير هو ما نجحت به السلطة منذ 17 تشرين 2019 عبر تعميق إفقار الشرائح المنتفضة لتصيبها بالاحباط وبالتالي يتحول النضال من سياسي – مطلبي، إلى إجتماعي – معيشي، وسط حالة انكفاء شبه عامة عن الساحات.

 

يتوقف المحامي علي عباس طويلا عند هذا الامر، هو الذي عايش إرهاصات 17 تشرين ومن ثم مراحلها المختلفة وصولا الى إجهاضها، اذا صح التعبير.

 

تفجر إجتماعي مقبل

 

إلا أنه يؤكد بأن الوضع العام سيشي بتفجر إجتماعي مقبل وبات لزاما على المتحركين إعادة النبض الى الشارع بعد كل ما يتعرض له المواطن من زيادات ورفع للدعم والموت على أبواب المستشفيات، ومع الحديث عن الدولار الجمركي منذ الاول من آب المقبل حيث ستكون هناك زيادة 10 في المئة على السلع الموجودة اصلا في لبنان. “أي أننا سندفع هذا الدولار الجمركي على أساس المنصة من المستهلك وليس من التاجر الذي سيفيد من التهرب الجمركي وسيبيع السلعة الى المواطن على حسابه وطبعا على حساب الدولة التي ستأخذ ضعف أي زيادة مقبلة تمنينية لموظفي الدولة”.

 

ويشير الى اننا نشهد يوميا زيادة أكثر من 10 آلاف ليرة على السلع في موازاة أزمات في الكهرباء والماء وكارثة مقبلة على صعيد التعليم الذي بات مدولراً بينما لم تعد المدرسة الرسمية قادرة على الاستيعاب والجامعة الرسمية مهددة بالاقفال، ونحن لا نستطيع إلزام الدولة فرض التعليم الجامعي لأنهم يعتبرون انه ليس حقا من حقوق الانسان وليس مقدساً!

 

يُقر عباس بأن التحركات الاخيرة لا تعبر عن الوجع عند الناس ونسبة الاحباط عندهم تخطت حدود القدرة على التحرك في ظل كلام عن العجز عن التغيير والانصراف الى الهم الشخصي والأسري حتى بات المواطن مستعدا للانتحار على ان يواجه، وهو ما تبيّن حتى في السلك العسكري والأمني الذي شهد آلاف حالات الفرار.

 

هذا وسط انحلال وتشرذم الدولة وسطوة الميليشات التي باتت تُسمى أحزاب السلطة والمعارضة وهي قوى باتت أقوى مع استغلالها هذا الحال لتقديم المساعدات الاجتماعية من إعاشات وبونات البنزين، مرتدية دور الدولة والوزارات مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزاة الصحة بعد ضربها.

 

وللمرة الأولى بالنسبة الى ركن في “الثورة”، يشير عباس الى ان الانتخابات النيابية “شرذمت ثورة 17 تشرين وفرطتها وهناك مجموعات انتهت فعليا وأصيب غيرها بالاحباط هاجر على أثره..”.

 

هو لا يريد تحميل نواب 17 تشرين فوق طاقتهم كما انه يشير الى أن عددهم المحدود يحول دون التغيير اضافة الى ان دور النائب تشريعي ورقابي ومحاسبي، وفي الأثناء “دورنا في الشارع الضغط ومطالبة السلطات التنفيذية بإجراءات والإصلاحات”، لافتا الى ان المرحلة اليوم مختلفة عن مرحلة 17 تشرين وعلى المجموعات الثورية إعادة النظر بآلية وطريقة التحركات وبنك الأهداف.

 

ولكي لا يبقى في الاطار النظري، يشير القيادي في “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” الى ان من الاهمية بمكان رفع مطالب شرائح من المجتمع اللبناني لا تستطيع التعبير عن وجعها فعليا.

 

قضايا الناس قبل العناوين الكبرى

 

ويعدد من دون حصر قضايا الأمراض المزمنة ومرضى السرطان وذوي الاحتياجات الخاصة وكل الشرائح المنسية، بدلا من الشعارات الكبرى. إضافة الى العودة الى عمليات اقتحام الوزارات واقفالها اذا لم تكن تريد العمل ومثلها شركات الاتصالات، بدلا من الخطابات البائدة، أي بمعنى آخر القيام بخطوات عمليّة مثل ما حصل مؤخرا عبر هزيمة اصحاب المولدات في صيدا والحركة الاحتجاجية في صور التي أدت الى توقيف محتكرين للموتورات مع انهم يحسبون على الاحزاب..

 

وبذلك هي مرحلة تقييم للمرحلة السابقة والانخراط في انواع جديدة من التحركات مع تغير نوعية المعيشة ونوع الناس ايضا التي ضُربت معنوياتهم، مضيفا لازمة هامة جدا برأيه وهي توجيه البوصلة نحو القضاء. والأخير يجب تحريره من المنظومة وتطهيره من الفاسدين بعد

 

خذلان الناس والخوف من الفاسدين، ويشير على سبيل السخرية: لقد قدمت لوحدي 70 ملفا في القضاء لم يصل أي ملف الى نتيحة رغم الاثباتات على سرقة المال العام والهدر.

 

وبهذا يريد الناشطون اليوم إقامة الربط بين أسباب ما نعاني منه وأسباب النزول الى الشارع. هي معركة وعي في سبيل العدالة الاجتماعية رفضا للخطة المبيّتة في توزيع الخسائر ما يستهدف الطبقة الفقيرة، “فهم مستعدون لإشعال البلد للحفاظ على اموالهم”.

 

تدقيق جنائي في بلدية بيروت

 

ويعطي مثالا هنا هو خوض معركة التدقيق الجنائي في بلدية بيروت. فالمتعهدون قبضوا الثروات الطائلة لإقامة مشاريع فاشلة وأخذوا اكثر من قيمتها الحقيقية ولا يريدون العمل اليوم بسبب الخسارة في الارباح.

 

ويسأل: أين الاعمال في العاصمة وأين البلدية الغنية؟ لا إضاءة ولا رش للمبيدات ولا تشحيل للأشجار ولا تسكير للجور..

 

هي بلدية على شاكلة الدولة حيث مجموعة متعهدين هم جزء من المنظومة تحميهم بعد تحقيقهم أموالا طائلة من حساب الخزينة والمال العام، وبات لزاما فتح ملفاتهم واعادة الاموال المهدورة أو فليسجن من يجب ان يسجن.

 

أما أجندة من بقي في الانتفاضة، فستكون حافلة مستقبلا مع تفاقم الازمات عبر تحركات فجائية وشاملة منطلقة من الوجع الاجتماعي والمخالفات والزيادات، مع التخطيط لضربات مفاجئة وتوجيه الرسائل حيث الفساد والخلل وحيث لا ممارسة للمسؤوليات.

 

ثمة عمل في الاسابيع المقبلة “لإعادة التماسك من جديد الى الثورة بعد فرز الصادق عن الانتهازي الذي تسلق الثورة بمخطط السلطة للتغلغل بيننا وبات اليوم خارجنا”.