كان لينين يقول “إن ما يحتاجه المرء لإسقاط نظام ليس منظمة قوية بل منظمة ثوريين”. والمقصود ثورة مسلحة تقوم بها منظمة ثوريين لإسقاط نظام أوتوقراطي وإقامة نظام ثوري شمولي يقوده حزب واحد كما فعلت الثورة البلشفية. وليس هذا بالطبع ما ينطبق على ثورة 17 تشرين التي صار عمرها سنة. فهي ثورة شعبية سلمية تريد تغيير النظام أو أقله إعادة تكوين السلطة من أجل المزيد من الديموقراطية والنهوض الاقتصادي. وهي الى حد ما نوع من “عامية لبنان” كأعلى مرحلة من سلسلة “عاميات” في تاريخ لبنان أعطيت اسماء مناطق وبلدات ولم يكن بين التوقعات أن تحقق هدفها الكبير خلال سنة.
ذلك ان النظام المغلق والمفلس والمحكوم بسلطة عاجزة والمطلوب إسقاطه هو، بالمصالح الطائفية والمذهبية، أقوى نظام في المنطقة، بحيث جرى تعزيزه بعد حرب دامت 15 سنة. وفوق ذلك، فان الثورة الشعبية السلمية تهدد مشروعاً لنظام آخر تخدمه قوة مذهبية مسلحة ويراد تحقيقه ضمن “محور الممانعة” بقيادة ايران. ثم ان ثورات “الربيع العربي” تقدم لنا درساً مهماً: الثورة السلمية تفشل حين تجرها الثورة المضادة الى العنف وتصبح حرباً، بحيث تنتهي في ايدي منظمات الاسلام السياسي المتطرفة او العسكر او الفوضى او النظام.
بعد كتابه “نهاية التاريخ” كتب فرنسيس فوكوياما في “فورين أفيرز” عن “مستقبل التاريخ”. أبرز الأفكار في المقال ثلاث: “الأزمات الأخيرة هي نتاج الرأسمالية المالية التي لا ضابط لها.”المفارقة هي ارتفاع موجة اليمين الشعبوي بدل موجة اليسار الذي لم يجد بديلاً من فشل اليمين الليبرالي سوى العودة الى النموذج القديم”. و”أكبر خطر على الديموقراطية هو انهيار الطبقة الوسطى”. وهذا عملياً ما ينطبق على الوضع اللبناني. فالرأسمالية المالية صارت البديل من الاقتصاد الحقيقي وقادتنا بادارة لصوص الى أعمق أزمة. والتيارات الطائفية والمذهبية هي التي ترتفع أمواجها وسط انحسار موجة اليسار الذي تمسك بنموذجه القديم برغم تبدل الظروف. والأزمات المالية والاقتصادية شطبت الطبقة الوسطى، بحيث صار لبنان طبقتين فقط: أقلية ثرية جداً وأكثرية ساحقة مسحوقة فقيرة. وهذا زمن الثورة التي صارت واجباً بعد كونها حقاً.
ولا أحد يجهل العوامل التي أضعفت الثورة من الداخل والخارج. وهي، بمعظم مجموعاتها، في عملية نقد ونقد ذاتي. لكن الثورة نجحت، ولو فشلت في تحقيق الهدف الكبير. فلولا الثورة لما تحدث أحد عن حكومة اختصاصيين من خارج الاحزاب لإنقاذ لبنان. ولولا الثورة لما سمعنا العواصم المؤثرة في المنطقة والعالم تخاطب المجتمع المدني واللبنانيين وتتجاوز التركيبة السياسية. ولم يبق “الانتظار أفضل مستشار”.