تترقب الاوساط الرسمية والسياسية والروحية في لبنان، ما ستكون عليه التطورات الاقليمية، وسط تصعيد المواقف وما ستكون عليه التداعيات على الواقع اللبناني، والبلد أمام استحقاقات وملفات ضاغطة تضع العهد أمام امتحان جدارة، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. خصوصاً وأن «سياسة النأي بالنفس» التي اعتمدتها الحكومة، بقيت نسبية وغير شاملة.. وحسابات العديد من الافرقاء السياسيين، على أبواب الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل طغت على ما عداها..
في قناعة البعض ممن هم في خانة الاستهداف، ان ما يتعرض له لبنان من تهديدات وتلويح بهجمات أميركية – إسرائيلية، ناهيك بالعقوبات المالية التي استهدفت قيادات «حزب الله»، السياسية والأمنية والعسكرية ليتس جديدة وهي من عمر لبنان، وتأسيساً على هذا، فإن الجميع يتحمل المسؤولية بنسبة او بأخرى.. ولقد فتحت حملات «حزب الله» المتواصلة على المملكة العربية السعودية وقياداتها الباب واسعاً أمام نوع جديد من التحديات التي قد تواجه البلد، الامر الذي استدعى حراكاً من عدد من القوى لاعادة ترميم واصلاح واعادة الحياة الى المحاور اللبنانية.. وذلك على الرغم من ان قيادات في «حزب الله» تلقوا نصائح من أكثر من جهة بضرورة «ضبضبة الألسنة» لكن شيئاً من ذلك لم يحصل بعد، والحزب ممثل بمجلس النواب وشريك في الحكومة.
لبنان ليس «جزيرة منعزلة عن محيطها..»، لكنه، استطاع أن يحتفظ بخصوصية وفرت له استقراراً أمنياً متميزاً عن سائر دول الجوار.. على الرغم من محاولات عديدة متكررة، بإيصال «موس الارهاب» الى رقاب اللبنانيين كما وحقق نجاحاً لافتاً في عملية اقتلاع الارهابيين من جرود السلسلة الشرقية بقرار اتخذته الحكومة اللبنانية ونفذه الجيش اللبناني بمهنية وكفاءة عاليتين، فكانت معركة «فجر الجرود» نموذجاً، استحضر تهاني وتبريكات أكثر دول العالم، وذلك على الرغم من ان المرحلة السابقة امتازت بكثير من اللغط والمفروض ان تكون انتهت في ما بعد «فجر الجرود»؟!
اليوم وإذ يشمل العهد شمعته الثانية مع انتهاء السنة الأولى من ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإن الأنظار تتجه الى الآتي من الأيام.. والرئيس عون، كما الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري، يطمئنون اللبنانيين بأن الانتخابات النيابية سوف تحصل في موعدها «وليس لدى أحد القدرة اليوم على ايقاف هذا المسار».. وان التغيير آت، وهو ما سيقرره الشعب اللبناني في الاستحقاق الانتخابي..
لا ينكر الرؤساء عون وبري والحريري، كما العديد من الافرقاء ان لبنان أمام واقع جديد، وتمارس عليه حالياً ضغوط كبيرة، من أكثر من جهة ومن أكثر من دولة.. لاسيما وان سيناريو حرب تموز في العام 2006 لم يغب عن بال كثيرين وقد استطاع لبنان ان ينقذ نفسه من الفخ الاسرائيلي الذي كان يهدف الى أحداث فتنة داخلية في لبنان لا الى احتلاله..
في طلته الاعلامية ليل أمس، قدّم الرئيس عون جردة حساب أمام الرأي العام عما قام به والحكومة، مجدداً التزامه خطاب القسم، على رغم شعوره بأن هناك بعض القوى الخارجية والداخلية تتجه لضرب الثقة بين الحكم عموماً، ورئاسة الجمهورية خصوصاً، وبين الشعب، وبين اللبنانيين في ما بعضهم البعض..
لم يدر الرئيس العماد عون ظهره للضغوط الدولية والاقليمية التي تتزايد على لبنان، وبعناوين متعددة.. وفي رأيه الى هذه الضغوط بلغت حدها الاقصى مع الخطاب الاميركي – الاسرائيلي الأخير، ولبنان ملتزم تطبيق القرار الدولي 1701، والكيان الاسرائيلي هو من يعتدي على لبنان ويهدد اللبنانيين ويعمل جاهداً لتأليب الرأي العام الدولي ضد لبنان وشعبه..
لقد حقق لبنان انتصارات عدة، وواجب اللبنانيين جميعاً حماية هذه الانتصارات وتتويجها بإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، وتثمير هذه الانتصارات بمزيد من التقارب الوطني بين الافرقاء اللبنانيين كافة والبناء عليه، وتعزيز وحدتهم الوطنية ونبذ المصالح الفئوية والشخصية الضيقة على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين، ليكون هذا البلد «ثرياً بتنوعه الديموغرافي وغنياً بحضارته، وقادراً على تحقيق أحلام شبابه وشاباته الذين ملوا الخطابات المتشنجة والمزايدات الكلامية والانقسامات وكفروا بها..».
لم يقفز الرئيس عون من فوق المشاريع الانمائية التي يتطلع اليها مع الحكومة وهو الذي ما انفك يدعو لاستبدال الانتصار الريعي بالاقتصاد المنتج القائم على الزراعة التي تثبت الناس في أراضيهم، والصناعة ومن ثم الخدمات.. فالانماء المتوازن، بالغ الأهمية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، بل والسياسي والامني.. وفي تعزيز بقاء اللبنانيين في أرضهم والمساهمة في تنميتها..
الجوامع المشتركة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أكثر كثيراً من النقاط المتباعدة، خصوصاً وأن الرئيس الحريري طالما دعا الى وضع المسائل الخلافية جانباً والعمل على اتخاذ الاجراءات الاستباقية المطلوبة.. من دون ان يعني ذلك ان معالجة لب الازمات التي يتعرض لها لبنان، ومن بينها أزمة النازحين السوريين وتداعياتها متوفر.. خصوصاً وأن المجتمع الدولي والامم المتحدة، والدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن لم تحرك ساكناً بعد لمعالجة هذه الأزمة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة لهؤلاء النازحين الى بلدهم..