IMLebanon

حرب 7 تشرين 2023.. «حماس» تصدم إسرائيل

 

 

 

شهد فجر السابع من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣ عملية عسكرية غير مسبوقة نفذتها حركة «حماس» استطاعت من خلالها كسر الحدود واجتياز قطاع غزة والسيطرة عسكرياً على مستوطنات في «غلاف غزة»، فضلا عن قتل عشرات الجنود وجرح آخرين فضلاً عن أسر ٣٥ جندياً ومستوطناً (حسب الإعترافات الإسرائيلية الأولية) واقتيادهم إلى القطاع. ومن خلال ما تبدّى حتى الآن عن هذه العملية يُمكننا تسجيل ملاحظات سريعة:

١- عنصر المفاجأة: تحقق بشكل كامل ومثير فقد فوجئ المستوى الأمني وكذلك العسكري والسياسي والإداري (في المستوطنات) بالهجوم واستغل المقاتلون الفلسطينيون عنصر المفاجأة لتحقيق أكبر قدر من التقدم والانجازات العسكرية.

٢- عنصر الصدمة: سبّبت سرعة التقدم الفلسطيني صدمة في إسرائيل على جميع مستوياتها واستغرق الأمر وقتا طويلاً حتى تستوعب حكومة بنيامين نتنياهو الصدمة. هذا العنصر تسبب في حالة رعب تمثلت بالهروب الكبير أو «الاكسودس الصغير» من قرى «غلاف غزة» وهو الأمر الذي ظهر على الفضائيات مباشرة.

٣- فشل استخباري: فشل جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية («أمان») في توقع مثل هذا الهجوم وفي وضع القيادة العسكرية في معلومات حول القدرات الحقيقية لحركة «حماس» وخصوصاً القدرة على الخروج من القطاع نحو «الغلاف». عام ٢٠١٤ تمكّن مقاتلو حماس في عملية محدودة من التقدم الى قرب إحدى المستوطنات عبر نفق وهذا ما اشغل الاستخبارات بالبحث عن قدرات الانفاق واهمال القدرات الفوق أرضية. وهذا الفشل الإسرائيلي الإستخباري هو الأقسى منذ نشأة الكيان في العام 1948. كما فشل جهاز الأمن «الشاباك» ومعه «الموساد» في استشراف نوايا الفلسطينيين وهذه الأجهزة استطاعت تحديد مكان أحمد الجعبري وقتله عام ٢٠١٢ وقبله سعيد صيام عام ٢٠٠٩. ومؤخراً اغتالت إسرائيل القادة في «حركة الجهاد الإسلامي» بهاء أبو العطا وتيسير الجعبري وخالد منصور ورفاقهم ولدى قيادة هذه الأجهزة سجل من استهداف القادة وأبرزهم الشيخ أحمد ياسين وإسماعيل أبو شنب وعبد العزيز الرنتيسي و«المهندس» يحيى عياش وصلاح شحادة وغيرهم. وقد عاشت هذه الأجهزة على رصيد رصد القادة واغتيالهم لكنها فشلت هذه المرة في معرفة هوية القادة وعناوينهم حتى تمكنوا وبينهم المجهول الصورة والمعلوم الصوت محمد ضيف من شنّ هذا الهجوم.

٤- فشل عسكري: كان الفشل العسكري فاضحاً في قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الإحتلال التي لم تنشر جهازاً دفاعياً يحمي مستوطنات «الغلاف» تحسّباً لمثل هكذا هجوم بل اكتفت بنشر قوات عادية عجزت عن رد الهجوم.

٥- فشل الصورة: لم تكن إسرائيل حتى في أحلامها تتصور مشهد آلياتها تحترق ومستوطنيها يختبئون في حاويات النفايات ولا مشهد الأسرى من الجنود والمستوطنين بالعشرات وكذلك مشاهد الهروب وكلها تُشكّل إذلالاً وكسراً للكبرياء الإسرائيلي والشعور بالتفوّق الذي رافق ولادة هذه الدولة حتى يومنا هذا. وهذا أمر ستكون له تداعيات كبرى أقلّها تبدّد ثقة الإسرائيليين والمستثمرين الأجانب وضرب صورة إسرائيل كدولة آمنة للسياحة والاستثمار والإقامة.

٦- فشل سياسي: نفذت «حماس» هجومها في ظل مباهاة إسرائيل بمتطرفيها أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش واستنجادها بالأساطير التوراتية وإحضار بقرة حمراء كمقدمة للسيطرة على المسجد الأقصى.

٧- التوقيت: إختارت «حماس» توقيتاً إسرائيلياً قاتلاً (عيد يهودي ويوم سبت) كما استفادت من انشغال الولايات المتحدة بمواجهة روسيا في أوكرانيا واشراكها دول حلف شمال الأطلسي بهذه الحرب وتراجع اهتمامها بالتفاصيل الفلسطينية وبمنطقة الشرق الأوسط.

٨- إلى أين؟ أعلن بنيامين نتنياهو أن إسرائيل في حالة حرب وسبقته القيادة العسكرية بإعلان بدء عملية «السيوف الحديدية» ضد غزة. هذه العملية تستهدف استعادة المستوطنات التي احتلتها حركة «حماس» ومحاولة التقدم إلى «حزام غزة» والقضاء على الجزء الأكبر من البنية التحتية العسكرية لكل من حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي». من الطبيعي أن تواجه غزة هذا الهجوم بالتصدي الدفاعي المباشر وبقصف عمق إسرائيل وصولاً إلى تل أبيب والقدس ونتانيا وخضيرة وغيرها من المدن والمستوطنات من أجل تعطيل الحياة في إسرائيل وعرقلة الهجوم على غزة، أي نقل القوات والذخائر وإخلاء الجرحى وغيرها.

باختصار إسرائيل في وضع حرج وغالب الظن انها أغلقت مطار بن غوريون لمنع تهافت المواطنين الاسرائيليين على مغادرة البلاد وليس لسبب أمني، لا سيما أنه لم يسجل أي استهداف لا للمطار ولا لمحيطه. هل تلجأ الى «خيار شمشون» التوراتي، أي «عليَّ وعلى أعدائي يا رب». إسرائيل ربما تُدرك ما هو المطلوب منها لكن من هو «شمشون العصر»؟ أهو لبنان أم سوريا أم إيران وإذا كانت تملك الرغبة فهل تملك القدرة على ذلك؟ وهل يتاح لها استخدام السلاح النووي في الحرب بعدما استخدمته في الردع؟ لننتظر التطورات الميدانية المقبلة لعلها تحمل إجابات على الكثير الكثير من الأسئلة.

 

* عميد ركن متقاعد