يتّجه ملفُّ النازحين السوريين في لبنان الى مزيد من التعقيد والتدهور، في ظلّ غياب الحلّ السياسي للأزمة السوريّة، وتقاعس المجتمع الدَولي عن تقديم المساعدات المالية الى لبنان.
تتظهَّر الصورة السوداويّة أكثر فأكثر في قضيّة النازحين السوريين، فالمجتمع الدَولي الذي يُبرز إيجابية في التعاطي مع هذا الملفّ، ويؤكّد دائماً تعاطفه مع لبنان ورغبته بمساعدته في حلّ أزمة النزوح، بات أوّل مَن يتخلّى عنه، بعدما أبلغت المنظمات الدولية إلى وزارة الشؤون الإجتماعية والدَولة اللبنانية أنّ مبلغ الـ 12 دولاراً الذي تدفعه شهرياً الى النازح السوري لقاءَ تأمين الطعام له، سيتوقّف نهائياً في شهر تشرين الثاني المقبل، بسبب عجزٍ في ميزانية المنظمات التي تهتمّ بالنازحين، وبالتالي فهي باتت غير قادرة على تسديد المتوجّبات.
تقلَّص حجمُ المساعدات الدَولية للنازح السوري تدريجاً الى أن إتُخذ قرارٌ نهائي بوَقفها، وفي هذا الإطار بات لبنان أمامَ حلّ من إثنين: إما ترحيل النازحين الى سوريا وهذا مُستبعَد، أو التاقلم مع الوضع الجديد، وفي ذلك إشاراتٌ سلبية خصوصاً على الأمن، إذ تتخوّف الأجهزة الأمنية من تكاثر عمليات السرقات، لأنّ النازحَ سيجوع بعد توقّف المساعدات الدَولية، في وقتٍ تغيبُ فرص العمل، لذلك سيلجأ الى الأعمال المُخِلّة بالقانون.
تُحاول الدولة اللبنانية جاهدة شرحَ الوضع السيّئ أمامَ السفراء والمنظمات الدَولية، في حين تراوح نسبة نموّ الإقتصاد بين صفر وواحد في المئة في أحسن الظروف، في وقت تتعذّر عودةُ القسم الأكبر من النازحين ولا سيما المهجَّرين من حمص والقُصير وريف دمشق.
في الموازاة، تُراهن الأمم المتحدة على حلٍّ سياسيّ قريب في سوريا يُنهي الحربَ الدائرة هناك، وينقذ لبنان من عبء النزوح، وهذا الجوُّ الدَولي الجديد نقله وكيلُ الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ومنسّقُ الإغاثة في حالات الطوارئ ستيفن أوبراين والوفدُ المرافق الى الدولة اللبنانية الذي زار أركانها الأسبوع الماضي من ثمّ قصد سوريا، وعاد أمس ليزور أحدَ مخيّمات النازحين في منطقة سعدنايل البقاعية، ويلتقي وزيرَ الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي شرح له الوضع السيّئ وحجم المشكلة والمشاريع التنموية الضرورية لمساعدة لبنان، وقد لمس درباس أجواءَ إيجابية لكن من دون ترجمة قريبة لأنّ الجولة إستطلاعيّة أكثر ممّا هي تنفيذيّة عملانية.
وفي هذا الإطار، لاحظ أوبراين تحرّكاً وتحوّلاً ما في الأزمة السوريّة، إذ لا تستبعد الأمم المتحدة حلاً قريباً، خصوصاً بعد تطوّر الإتصالات السياسيّة مع دمشق، وحصول تحوّلات كبيرة في المواجهات العسكريّة، لكنّ رهانَ الأمم المتحدّة على حلّ أزمة النازحين في لبنان من هذا المدخل سيستغرق وقتاً طويلاً، لأنه لو سلّمنا جدَلاً بأنّ الحرب توقفت غداً، فإنّ عودة النازحين لن تتمّ قبل مدّة، وبذلك يغرق لبنان أكثر وأكثر في هذه المشكلة.
إستجمع أوبراين الأفكارَ اللبنانية ووعَد بنقلها الى المنظمات الدولية، ولعلّ أبرزها إقامة مشاريع وإستثمارات إقتصادية في لبنان، تُنمّي الإقتصادَ الذي يرزح تحت عبء النزوح وتؤمّن فرصَ عمل للبنانيين والنازحين السوريين على حدٍّ سواء، وبذلك تتوقف المنظمات عن دفع الأموال مباشرة الى النازح، وتتبع المثل القائل «بدلَ أن تطعم الجائعَ سمكة، أعطِه صنارة صيد»، لكنّ هذه الفكرة تحتاج الى أموالٍ كبيرة يعجز لبنان عن تأمينها منفرداً.
يبحث لبنان عن أمنه العسكري والإقتصادي بين أعداد النازحين الذين فاقوا المليونين، مع معرفة الدول الكبرى أنّ هذه الأعداد وأزمة النازحين السوريين، تعرّضان أمنَ المنطقة بأكمله للإهتزاز وليس الأمن اللبناني فقط، في حين تُصرُّ وزارة الشؤون الإجتماعية والدَولة اللبنانية المعطّلة أساساً، على رفع الصوت، لكن يبدو أنّ المجتمعَ الدَولي صمّ أذنيه، ولا حياة لمَن تنادي.