IMLebanon

ما بعد بعد غزّة

 

 

بعيداً من الرمزيات، من مثل أنّ «حرب تشرين» عام 2023، شبيهة بـ»حرب تشرين» عام 1973، فإنّ ما جرى في غزة، اعتباراً من السابع من هذا الشهر، هو حرب لا يمكن مقارنتها بما سبقها:

 

حرب تشرين 1973، كانت بين مصر وسوريا من جهة، واسرائيل من جهة ثانية، لم تكن فيها منظمة، حتى منظمة التحرير الفلسطينية، الحديثة الولادة آنذاك، لم تكن منخرطة فيها.

 

اليوم لا دولة، بشكلٍ مباشر، في هذه الحرب، وحتى منظمة التحرير الفلسطينية غائبة عنها. الحرب اليوم بين حركة «حماس» وبين اسرائيل، وليست بين العرب واسرائيل، حتى الدولة التي تقف وراء حركة «حماس»، ليست دولة عربية، بل إيران. ما يعني أنّها حربٌ بالواسطة، الطرف الآخر فيها هو إيران، وهي لا تخوضها فقط ضد اسرائيل بل ضد الولايات المتحدة الاميركية وحتى ضد المملكة العربية السعودية. وللتذكير، فإنّها تأتي بعد قرابة الشهر على اعلان الخط الاقتصادي الذي يمر بمرفأ حيفا وصولاً إلى أوروبا. فهل حرب غزة اليوم هي ردٌّ على هذا الخط وعلى «ممر حيفا» بالذات؟

 

في المحصِّلة السياسية، أحدثت «حرب غزّة» ضربةً في اسرائيل، لكنّها في المحصِّلة العسكرية، ماذا حققت؟

 

على المستوى الميداني، ستعيد اسرائيل السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها «حركة» حماس، بهذا المعنى لا يمكن اعتبار ما حصل على أنّه «حرب تحرير» بل «حرب تحريك». وهنا لا تصحّ المقارنة بين حرب تشرين 1973، وحرب تشرين اليوم. خلال الأولى استردت مصر سيناء وسوريا القنيطرة، أمّا اليوم فلم تبقَ حركة حماس في المناطق التي سيطرت عليها.

 

حرب تشرين 1973 حققت عملياً النتائج التالية: سلام بين مصر واسرائيل، ما زال صامداً منذ توقيعه منذ أربعة وأربعين عاماً. اتفاقية الهدنة على جبهة الجولان ما زالت أيضاً محترمة منذ أربعة وأربعين عاماً أيضاً.

 

إن وجوب التذكير بهذه الوقائع والمعطيات، هو لطرح السؤال التالي: ما هو الثمن الذي ستتقاضاه حركة «حماس» من الانجاز الذي حققته؟ وفي المقابل، ما هو الثمن الذي ستدفعه؟ إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة رهنٌ بالتطورات الميدانية: حماس ضربت ضربتها، ولكن ماذا بعد؟ اسرائيل ردت، ولكن ما هي حدود الرد؟ إذا ما شنّت إسرائيل حرباً من دون هوادة على غزّة، وعدّلت من خلالها قواعد اللعبة المتجددة، فماذا سيحصل في هذه الحال؟ حركة «حماس» ضربت ضربتها ونجحت فيها بسبب عنصر المفاجأة الذي استخدمته، لكن عنصر المفاجأة هذا، لا يمكن استخدامه مرة ثانية. في هذه الحال يُفترَض فيها أن تبدّل الاسلوب، فماذا سيكون؟

 

حركة «حماس» حققت انجازاً، من دون شك ، لكن صبابة الإنجاز في المحافظة عليه، النتيجة المحققة حتى الآن أنّ الظروف نضجت لعملية تبادل الأسرى، أما غير ذلك من النتائج، فلا بد من أن تنتظر.