هل بإمكان لبنان الانتظار بعد؟ هذا السؤال طرحه السفير البريطاني في لبنان هيوغر شورتر على جميع المسؤولين بعدما استعرض المخاطر المحدقة ببلدهم جرّاء تخليهم عن مسؤولياتهم الوطنية بدءاً باستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية أكثر من سنتين ونيّف، وصولاً إلى ما يترتّب على ذلك من إخفاق ليس للبلاد وحسب، وإنما لصيغة العيش المشترك فيها وبوصفها نموذج التعايش الذي تمثله المنطقة، وهذا يعني أن لبنان أصبح عُرضة للصدمات الداخلية والخارجية وأصبح نموه الاقتصادي وخلق فرص العمل في تراجع وباتت مؤسسات الدولة مهدّدة.
هذا السؤال الكبير والخطير طرحه السفير البريطاني فيما المسؤولون والمرجعيات واللبنانيون كافة مشغولون وشاغلين معهم اللبنانيين المساكين وحتى الرأي العام العربي والدولي بمناكفاتهم الداخلية وألاعيبهم الصغيرة بالميثاقية أحياناً، وبالنفوذ والسيطرة حيناً آخر وبالنكايات في معظم الأحيان فيعطّلوا مجلس النواب، ويمنعونه من الإنعقاد لانتخاب رئيس للجمهورية بإسم الدستور والدستور منهم براء، ويعلّقوا اجتماعات هيئة الحوار الوطني التي ما زالت تشكّل نافذة التواصل الوحيد بينهم بإسم الميثاقية والشراكة والإفتئات على حقوق المسيحيين، والمسيحيون منهم براء لأنهم يستغلون الشارع المسيحي إما نكاية بالشريك الآخر في الوطن والمواطنة، وإما لحسابات خارجية، أي إرضاءً للخارج الذي له مصالح شخصية، ويستخدمهم أداة أو أوراقاً في لعبة المصالح، وإما لحسابات شخصية كالضغط على الفريق الآخر من أجل أن يقدّم تنازلات كما هو الحال بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية وما أدراك ما رئاسة الجمهورية.
والمُبكي المؤسف أن هذا الفريق يلقى الدعم والتأييد والالتزام من فريق آخر يدّعي حرصه على استمرار المؤسسات، وعلى الاستقرار المالي والاقتصادي فكيف بالاستقرار السياسي، وعلى احترام اتفاق الطائف وهي بدعة يطلع على اللبنانيين بها هذه الأيام، في الوقت الذي أمعن في انتهاك هذا الاتفاق، وفي تهميشه أيام حكم الوصاية السورية حتى كاد اللبنانيون أن ينسوه، وها هم هؤلاء «الغيارى» على الطائف ودستوره ما زالوا يمضون في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية حتى أصبح هذا البلد مضرب مثل المجتمع الدولي، وحاولوا بالأمس تعطيل مجلس الوزراء السلطة الدستورية الوحيدة المتبقية بحجة التضامن مع حلفائهم المسيحيين الذين يستخدمون الميثاقية زوراً وبهتاناً كأداة ضغط على الآخرين لإجبارهم على التنازل عن قناعاتهم لمصلحة مرشح أحد أوحد بات تمسكه بترشيحه يهدّد هذا البلد بأخطار كبيرة محدقة على حدّ قول السفير البريطاني الذي استند فيه إلى اتصالاته ومحادثاته مع القيادات اللبنانية التي تدّعي بأنها تحمل وتتحمّل المسؤولية.
غريب عجيب أمر هذا البلد والأغرب والأعجب أن اللبنانيين الذين يعرفون تمام المعرفة أن قياداتهم تتلاعب بمصائرهم ومستقبلهم لن تكفّ عن هذه اللعبة لأنها باعت نفسها للخارج أو للشيطان ما زالوا يسمعون لكذبهم ويسيرون كما يوحون لهم ويوهمونهم بإسم الميثاقية والشراكة والمظلومية الكاذبة.