فيما يواصل الرئيس سعد الحريري مشاوراته، يسأل كثيرون هل سيتبنى ترشيح رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون، ام سيستمر في ترشيح زعيم تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية، فيما لم يظهر في الافق اي مؤشر الى تأييد اقليمي لهذا التحرك او الى رغبة في تقديم حل الازمة اللبنانية على حلول بقية الازمات العاصفة بالمنطقة.
على ضفاف هذه المشاورات برزت حروب بيانات وسجالات حول الاولويات، بين المتمسكين بالحل الشامل، اي السلة، وبين الآخرين الذين يؤثرون انتخاب رئيس الجمهورية أولاً، على ان يبحث في الحكومة رئيسا وحقائب وفي قانون الانتخاب وماهيته، في وقت تبين ان البعض يبحث في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل من مواقع ادارية وعسكرية كبرى بحيث انهم بدأوا تقاسم مغانم العهد المقبل قبل ان يبدأ.
ويزيد في الطين بلة، اندفاع البعض الى اتهام رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه يعطل انجاز الاستحقاق الرئاسي، في حين ان ما يطرحه لجهة سلة الحل المتكاملة هو الحل، لأنه يعتبر كما يؤكد مرارا انه لا يجوز انتخاب الرئيس ما لم يتفق على الحكومة وقانون الانتخاب، اذ من دون هذه السلة ستدخل البلاد في مرحلة انتظار طويلة نتيجة نزاع يمكن ان يدور حول رئاسة الحكومة وحجمها وحقائبها وما يمكن ان يبرز من عقد استيزار، فضلا عن ان عدم الاتفاق على قانون الانتخاب قبل الانتخابات التي صارت على الابواب، سيؤدي الى نزاع يمكن ان يطيح هذا الاستحقاق في ظل رفض الاستمرار في قانون الستين النافذ.
ويقول بري : “فلنعد الى مرحلة تشكيل الحكومات سواء حكومات اللون الواحد او الحكومات المختلطة او التي تغلب عليها اكثرية على اقلية، فكم من الوقت اهدر على تشكيلها، الافضل فيها اهدرت اكثر من خمسة اشهر، وبعضها بلغ 11 شهرا، فلو كان هناك اتفاق مسبق فهل كنا ضيعنا كل هذا الوقت. ثم في الموضوع الانتخابي، ان انتخبنا رئيسا او لم نتتخب، فهل هناك من يستطيع ان يوجد مخرجا للعقد التي قد تحصل.
انا اجزم من الآن ان لا تمديد للمجلس النيابي والانتخابات النيابية ستجرى في مواعيدها، والجميع يقولون لا لقانون الستين، ونحن اولهم، وبالتالي عدم الاتفاق المسبق على قانون الانتخاب معناه الذهاب الى قانون الستين، فهل يريدون ذلك، وبالتأكيد نحن لا نريد. اعتقد ان الصورة الانتخابية يجب ان تحسم من الآن، وبهذه التفاهمات نحصن العهد ونحول دون صلب الرئيس”.
ويضيف بري امام زواره في معرض الرد على اتهامه بالتعطيل: “ما اطرحه هو التسهيل بعينه فأنا لا أُتقن لغة التعطيل، ان جميع الذين لا يريدون اتخاذ قرار معلن من مشاورات الحريري يتذرع بي كما لو انني العقبة، في حين ان موقفي معروف وهو التفاهمات، هذه التفاهمات ليست بالمفرق، بل بحسب جدول الحوار ومكانها طاولة الحوار، الاتفاق على الرئيس احد بنودها لكنه اول بند ينفذ”.
ويوضح “ان التفاهمات التي طرحتها يعرفها الجميع، لكن انظروا اين اصبح هؤلاء وماذا يُكتَب، إنهم يتحدثون عن تفاصيل (في اشارة منه الى ما يدور في تفاوض في التفاصيل بين معاوني عون والحريري”. ويكشف بري “ان المفاوضات الجارية تتم على ما يشبه ورقة تفاهم للمرحلة المقبلة، تتناول كل شيء”. ويشير الى “انني اتفق والوزير جبران باسيل على ملف النفط وكذلك على قانون الانتخاب لجهة اعتماد النظام النسبي”.
ويكرر موقفه من موضوع الحوار فيقول: “مثلما قلت سابقا اذا برز منحى جديد في المواقف ادعو طاولة الحوار الى الاجتماع”. وذكّر بري بأن الحريري كان رشح رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع بداية، ثم رشح عون “الذي طلب مني تأجيل جلسات الانتخاب لوقت فأرجأتها مرتين ثم حصل ما حصل ورشح الحريري فرنجية”.
ويقول مؤيدو فرنجية ان باسيل والسيد نادر الحريري بحثا في وزارات الحكومة الاولى للعهد ففي هذا اول مؤشر الى ان باسيل بدأ بتجاهل حلفائه، خصوصا اذا صح ان الرجلين اتفقا على اسناد وزارة الداخلية الى “القوات اللبنانية”، فيما مسألة من هذا النوع والحجم تحتاج الى بحث مع بري وحزب الله، وفي هذا مؤشر ايضا الى طريقة التعاطي معهما ومع الآخرين بمنطق “ادارة الظهر”. علما ان فرنجية المستمر في ترشيحه يرى ان “اوراقه قوية ويقيم الدنيا ولا يقعدها ان اعطيت “الداخلية” الى “القوات”.
ويسأل هؤلاء باسيل عن حقيقة الرسالة التي وجهها الى حزب الله بالقبول باسناد وزارة امنية الى “القوات”. ويقولون لباسيل: “اذا كنت تعتبر ان “القوات” بترشيحها عون عطلت انتخاب فرنجية وبالتالي اوصلت عون الى الرئاسة، فما هي المكافأة التي اعطيتها اياها، وهل نوقشت مع حزب الله؟ وفي حال نوقشت، اين اصبح قولك للحزب انك سترمي “القوات” على قارعة الطريق في وقت تبين انك لم ترمها حسب ما تسرب من محضر اجتماعك ونادرالحريري”.
ويرى المؤيدون “ان الجو السائد الآن هو جو عدم ثقة، اذ ان عون قال في احد لقاءاته مع مخاتير جبيل ان رئاسة الجمهورية محسومة له، وان اولى مهماته ستكون محاسبة وزير المال علي حسن خليل بسبب “ارتكابات مالية” فماذا عسى حركة “أمل” ان تفعل؟”. ويضيفون: “اذا كان هناك ثمة تطبيعا يمارسه “التيار الوطني الحر” بتوقفه عن مهاجمة تيار “المستقبل”، وإلتزامه هدنة اعلامية منذ يومين فإن هذا التطبيع يغلبه التطبع”.
وفي رأي هؤلاء انه “ازاء هذا المعطى العام يمكن القول ان الحريري يتهيب خطر دعمه لعون مستقبلاً، بمعنى ان هذا الدعم يشكل عنوان نكسة تبعا لتاريخ العلاقة الصدامية بين عون وجمهور الحريري الذي وصفه يوما بـ”الداعشي” ولم ينسَ هذا الجمهور قوله عند مغادرة الحريري البلاد بعد اسقاط حكومته “وان واي تيكت”، ولا يُنسى في المقابل رفض كتلة “المستقبل” الصريح والعلني لوصول عون الى حد ان احد نوابها احمد فتفت أن القبول بعون هو كـ”شُرب الديمول”.
علما ان الحريري لم يفلح حتى الآن في إقناع كتلته بتأييد عون. فضلاً عن أن من جس النبض السعودي اخيرا، وبالتحديد الوزيروائل ابو فاعور، لمس ضبابية قوية في موقف الرياض ازاء دعم عون، ما فرض على “جبهة النضال الوطني” وكتلة “المستقبل” فرملة اندفاعاتهما في اتجاه ترشيحه.
اما في ملعب فرنجية فيقول مؤيدوه انه “استطاع ان يبني علاقة احترام متبادل وعميقة بينه وبين الحريري وان يجذب بأدائه عقل المخضرمين بري وجنبلاط واستطاع ان يدخل بلا استئذان قلب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كذلك استطاع ان يكون محل احترام عند الدول الاقليمية المتناقضة او المتنازعة في ما بينها وكذلك عند المجتمع الدولي”.
ويضيف هؤلاء ان فرنجية يتشبث بترشيحه اكثر من اي يوم مضى مؤمنا بأن عون لا يمكنه ان يكون مشروع حل، حيث ان الحريري لم يسحب دعمه له، بل اكتفى بالطلب منه المساعدة على ايجاد حل، كذلك تشبث حركة “امل” والحزب التقدمي الاشتراكي والمستقلين والاحزاب الاخرى بترشيحه لأن من لا يرشح عون علانية هو مع فرنجية، بإستثناء حزب الكتائب الواقف على الحياد.
وفي رأي خصوم عون “ان القول أنه قد اجتاز الحاجز السني هو في غير محله، لان هذا الحاجز تسبقه حواجز عين التينة وبنشعي والمختارة، في حين ان فرنجية حتى ولو تخلى الحريري عن ترشيحه سيستمر طالما ان من وثقوا به مازالوا يؤيدنه”.
ويسجل هؤلاء ملاحظة لها دلالاتها تتجلى في نزول النائب اسطفان الدويهي الى الجلسة الأخيرة في اعتبارها مؤشرا الى استعداد فرنجية للمواجهة، “لأن بيته يتقن فن المواجهة بالارقام، على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية، وما فارق الصوت الواحد عام 1970 الا دليلا الى ذلك”.