ربما كان أحد الأسباب الدافعة لتسمية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صيف 2014، «الجرف الصامد» الرغبة الشديدة في التوقف عند نهاية الجرف، وبالضبط على حافة الهاوية، لكن صمود المقاومة من جهة، ورغبة أصدقاء إسرائيل الشديدة في ضرب المقاومة وإنهاكها حتى آخر جندي من جهة أخرى، كانا عاملين مهمين في تواصل الحرب وخروجها عن صمود الجرف وسقوطها إلى الهاوية، ودخولها مرغمةً في حالة استنزاف مع المقاومة.
«لكل انتخابات حربها أم لكل حربٍ انتخاباتها؟»، سؤال طرح قبل ثلاثة أسابيع، ودافعه معرفتنا بهذا العدو الذي عوّدنا أن لكل انتخابات حربها، إذ يُعمل إسرائيلياً على إعادة الموضوع الأمني إلى الحملات الانتخابية، ما يخدم المتطرفين التواقين إلى أصوات من المجتمع الجانح دوماً نحو معاداة المحيط، لكن هناك انتخابات قد تكون هي نتيجة الحرب، فتبدأ حملتها بسن السكاكين لسلخ من فشلوا في تحقيق أهداف الحرب.
بنيامين نتنياهو المعروف عنه حذره الشديد وقرارته التي يعتمد في اتخاذها على نظرية العقلانية السياسية، يدرك جيداً، كما عبّر أكثر من مرة، التصنيف الأوضح للتهديدات التي تواجه إسرائيل، إذ ان تهديد حزب الله يأتي في المرتبة الثانية بعد إيران، يليه في المرتبة الثالثة الصراع الدائر في سوريا، فيما يأتي تهديد غزة في المرتبة الرابعة.
ربما يدور الآن في خلد نتنياهو ما دار سابقاً في خلد السيد حسن نصر الله أثناء حرب لبنان الثانية. فالسيد صرح بالقول: «لو كنت أعرف أن العدو مجنون الى هذا الحد ولا عقلاني، لما أقدمت على أسر الجنود». نصر الله كان يريد من عملية أسر الجنود أن تكون عملية نظيفة بالمعنى العسكري، ولكن (لسوء الطالع) في الحسابات العسكرية، قتل ثمانية جنود إسرائيليين، الأمر الذي لم يبق أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، إيهود أولمرت، مجالا للهرب من عملية واسعة تدحرجت إلى ما سمي «حرب لبنان الثانية».
نتنياهو الآن يقف في الطرف المقابل، إذ يريد أن يوجه ضربة “نظيفة”، بالمعنى العسكري، إلى حزب الله وسوريا، وهما أخطر تهديدين يمكن اللعب معهما في هذه المرحلة في أجواء الانتخابات. فهو، كما قال أحد القادة العسكريين، يريد «أن يدخل عنوةً الموضوع الأمني إلى الحملة الانتخابية بعدما طغى عليها الموضوع الاجتماعي والاقتصادي». لا يُعلم، تحديداً، هل كان نتنياهو يرغب في أن تكون نتيجة هذه العملية موجعة لحزب الله، تماما مثلما لم يرغب نصر الله في صيف 2006 أن تكون النتائج موجعة لأولمرت إلى الحد الذي يستدعي رداً عسكرياً متناسباً؟
قد يكون الأمر في هذه المرحلة متشابهاً مع صيف 2006 إذا لم تتم السيطرة على الأوضاع في الحدود الشمالية لفلسطين، ما قد تكون عاقبته حرباً نهايتها انتخابات تودي بمستقبل نتنياهو السياسي. سوء الطالع نفسه يتكرر على الجبهة المقابلة. يتورط رئيس وزراء الاحتلال في مقتل جنرال إيراني، إذ إن طهران تمثل التهديد الأول، ثم هناك قائد من حزب الله الذي يمثل التهديد الثاني، فضلا على أن الحزب لم ينفذ بعد تهديده في الانتقام لقائده عماد مغنية (وحسان اللقيس). وأيضا فإن مغنية الأب استشهد، كما ولده، في الغارة على أرض سوريا، التي تمثل التهديد الثالث.
التوقعات كلها تشير إلى رد موجع من حزب الله، ولكن حتى الرد المدروس والمسيطر عليه، مثلما يتوقع كثر، قد يجرّ منطقة سوريا والعراق إلى دوامة جديدة تقلب الطاولة على رأس كل المخططين لمستقبل هذه المنطقة، بل ربما تدفع بعض الأطراف التي كانت تدير الفوضى بالوكالة إلى الدخول علناً في المواجهة. هذا ربما لم يكن نتنياهو يرغب به عندما نفذ هذه الضربة، وهذا أيضاً ما لا يرغب فيه حزب الله.