لا يوجد على طاولة أحد من المراجع اللبنانيين أيّ سيناريو يُفضي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بـ»طبخة لبنانية». فالقناعة شاملة بأنّ «العروض» التي تخضع للنقاش «البيزنطي» لن تكتمل فصولاً، فكلّ ما هو مطروح مجرّد أفكار لم ترقَ الى مصافي المبادرة. وهو ما يقود الى اعتبار أنّ «صفقة» الاستحقاق ما زالت في حقل ألغام. فلماذا وكيف؟
على طاولة أحد المراجع السياسية، أكثر من جدول بمواقف القوى السياسية التي تدّعي تأثيرها في الإستحقاق الرئاسي منذ تاريخ الشغور منذ عامين وثلاثة أشهر، يقود ما في كلّ منها منفرداً الى اعتبار أنّ ما يجري من حوار داخلي هو مجرّد «جدل بيزنطي» لن يوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور.
وعند التوغل في مضمون هذه الجداول، يعترف مَن وضعها ساخراً بأنّ في كلٍّ منها ما يكفي ويفيض من الألغاز والتناقضات التي لا تتناسب ووجود أيّ معادلة علمية ورقمية في علم الرياضيات. فمن المستحيل الوصول من خلالها الى لائحة بالحدّ الأدنى من القواسم المشترَكة التي توفّر الأصوات الكافية للانتخاب. ولذلك استمرّ الشغور الرئاسي نتيجة تعطيل الإستحقاق من بوابة النصاب القانوني والدستوري، وهو أمر مرشّح للإستمرار الى النهاية التي لا نهاية لها.
وقبل الدخول في أيّ جدول من جداوله، عاد المرجع بالذاكرة الى مسلسل الترشيحات الذي فُتح قبل نهاية الولاية الرئاسية السابقة، فاعتبر أنها لم تكن واقعية ولم تحمل الحدّ الأدنى من الصدقية. فما حُكي عن إجماع على أن يكون الرئيس من الأقطاب الأربعة نتيجة اللقاء – الحدث في 19 حزيران 2014 في بكركي تبيّن زيفه بسرعة قياسية.
وجاءت المواقف بإعادة تفسير هذا التفاهم كلّ حسبما أراد في أكثر من مناسبة لتجعله حلماً بعيد المنال. ويكفي التوقف عند حجم الخيبة التي أصابت البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي دعا اليه ورعاه لتأكيد ذلك.
ففي أحد الجداول المبنيّة على تفاهم بكركي، رصفت المواقف بين ترشيحَي رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون، فأوحت أنه لم يكن أيّ منهما على قناعة جدّية بإمكان وصوله الى قصر بعبدا، فأمام كلّ منهما جبال من العقبات الداخلية والخارجية انعكست في المعادلة النيابية السلبية التي تمّت جدولتها والتي لا يمكن أن تنتج أكثرية لأيٍّ منهما.
وأسوأ ما في تلك التجربة كان إستحضار لوائح الأطفال الشهداء من إهدن وبعبدا في جلسة 21 نيسان 2014 بدلاً من أسماء المرشحين، على وقع إرتفاع منسوب التوتر بين ما كان يُسمى بـ«8 و14 آذار» حيث اعتبر عون يومها أنّ ترشيح جعجع كيديّ يهدف إلى قطع الطريق عليه الى قصر بعبدا.
على وقع هذه «الثنائية القاتلة» التي أضاعت كلّ الفرص والمهل الدستورية الممكنة لإتمام الاستحقاق في تلك الفترة، فاجأ الرئيس سعد الحريري الأقربين والأبعدين بترشيح النائب سليمان فرنجية أحد الأقطاب الموارنة الأربعة وهو كان أول مَن رشح جعجع منفرداً في تغريدة يتيمة له قبل أشهر من نهاية الولاية الرئاسية.
وبعد تجاوز المفاجاة إكتشف البعض أنها كانت خطوة لتعطيل التفاهم الذي كان يُحضّر له بين «التيار الوطني الحر» و»القوات» لسحب ترشيح جعجع وتبنّي عون تحت «لافتة المصالحة المسيحية».
وفي جدول حديث وضع عقب بروز الثنائية الجديدة بين بنشعي والرابية، كانت الإحصائيات تقود الى مواجهة محسومة لصالح فرنجية لو صحّ أنّ الأزمة الحقيقية كانت بين كتلتي «8 و14 آذار». لكنّ الواقع السياسي كان قد أنتج معادلة جديدة فكّكت المعسكرَين وأعادت فرز المواقف مجدداً.
فلم يعد للأرقام والأصوات أيّ معنى في ظلّ موقف «حزب الله» الذي ساوى بين المرشحين، «هيدي عين وهيدي عين»، فسقطت كلّ المحاولات لبرمجة الإحصاء الجديد ودخلت النوايا المبيّتة على لائحة الفرز فضاعت الطاسة.
والبارز في الجدول الإحصائي الجديد وجود خانة جديدة تشكّك في صدقية الترشيحات. وطرحت الأسئلة على جبهتي المؤيّدين للرجلين، ولذا طرحت سلّة من الأسئلة على الطرفين «حزب الله» و»المستقبل».
وبعد السؤال الأبرز الذي يمكن توجيهه الى «المستقبل» باحتمال نقل ترشيحه من فرنجية لعون لتنتهي المواجهة المفتوحة؟ تكثر الأسئلة الموجّهة الى «حزب الله» ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل إنّ الحزب يريد انتخاب رئيس بعدما حصر الترشيح بـ»ثنائية عينيه»؟
وهل فقد القدرة على ترتيب تفاهم بين حليفي الأمس عون وفرنحية ليتنازل احدهما للآخر؟ وفي حال الفشل هل بات صعباً تجيير أصوات حليفه الرئيس نبيه برّي لصالح المرشح الذي يريده؟ ولماذا لا يعطي جرعة للديموقراطية بالنزول الى ساحة النجمة لتأمين النصاب وإجراء الإنتخابات ولتفز هذه العين أو تلك. فما هو الفارق بينهما؟
وفي ظلّ صعوبة توفير أيّ جواب على هذه الأسئلة قياساً على التشكيك القائم بالنوايا، فإنّ كلّ الأجواء توحي بأنّ «صفقة الإستحقاق» الرئاسي دخلت حقلاً من الألغام، وما على العابرين سوى التريّث لعبوره مهما طال الزمن. فلنراقب وننتظر لنرى!؟