IMLebanon

ضباط وقضاة وسيكار

 

يميل المُشاهد تلقائياً الى تصديق وئام وهاب حين يفتح ملفات الهدر والفساد. فالوزير السابق، محبوب الشاشات، جريء و”مدعوم” وصاحب شخصية جاهزة للدخول في صراعات ولا يتردّد في إفشاء أسماء. وإذا كان انضواؤه تحت عباءة “الممانعة” وضربه بسيف حلفائه عموماً بلا اقتناع يُحسبان ضده وعليه، فإن لديه من الاحساس بوجع الناس وانتفاضه الدائم ضد السارقين والفاسدين ما يغفر له، بل يضع في رصيده حسنات.

 

سمّى وهَّاب امس على “الجديد” ثلاثة ضباط كبار بينهم قائد الجيش السابق واتهمهم بجمع عشرات الملايين والإثراء غير المشروع والتربُّح من موقع موظف عام. ومع ان “البيّنة على من ادَّعى”، فإن تجارب اللبنانيين المريرة مع “جمهورية القراصنة والحمايات”، وعدم رؤيتهم فاسداً واحداً في السجن رغم اقرار الجميع بأن البلاد منهوبة وبأن المنظومة المجرمة عاثت في كل مكان، تدفع الى عكس الآية والطلب ممن لاكَتهم الألسن وحامت حولهم الشبهات المبادرة الى تقديم أدلة تبرّئ ساحتهم قبل الوقاحة بتجنيد محامين وأبواق.

 

كل لبناني يأمل ان تكون الكارثة التي شهدتها بيروت في 4 آب منعطفاً في كلّ اتجاه، خصوصاً ان هَوْل الجريمة والصدمة التي احدثتها في الوعي الجماعي يفرضان تكريس مبدأ المحاسبة وإخضاع الرؤوس الكبيرة قبل الصغيرة للتحقيق والعقاب. ولا يختلف اثنان على انّ التواطؤ او الاهمال او التغاضي او التقاعس أساسها الفساد، وليس أسوأ من هذه الآفة حين تصيب الذين أوكلَ اليهم فرض القانون وإحقاق الحق، وهم الضباط والقضاة.

 

لا يكمن فضلُ وئام وهَّاب فقط في جرأته على التلفظ بأسماء محددة – يتعين على أصحابها دحض كلامه الذي شهَّدَ عليه رئيس الجمهورية إذ “كان يعلم”- بل ببوحه بكلام كل الناس عن فئة من الضباط والقضاة كان هاجسها الدائم منذ استقل لبنان طول السيكار وتجميع الثروات. ولأنهم أفلتوا على مرّ العقود من العقاب فإن “الثقافة” التي أورثوها لمن خلَفَهم أفقدت البلاد كل حصن أمان.

 

حان الوقت لكسر هذا المحرَّم الذي يسمَّى الضباط والقضاة. صحيح أن الطبقة السياسية مسؤولة قبلهم عمَّا وصلت اليه البلاد من انهيار وإجرام، لكنهم “أبناء الدولة” الذين أخَلُّوا بموجبات مناصب سعوا اليها، وهي تعريفاً تفترض الشجاعة والنزاهة لحماية حياة الناس وحقوقهم في وجه اي تغوُّل او افتئات.

 

لن نبني وطناً ودولة قانون اذا لم ينتهِ زمن “الخروج الآمن” و”عفا الله عما فات”. فلتُفتح كلّ ملفات الفاسدين وعلى رأسهم الضباط والقضاة، سواء كانوا عاملين أم تقاعدوا مع عدة السيكار، حينها يتم الاعتذار ممَّن لا يظهر التحقيق مشاركته في الارتكابات، وتؤدَّى التحية للشرفاء.