IMLebanon

ضباط الأسد في انتظار عرض جدي

الدعوة التي وجهها رئيس أركان «الجيش السوري الحر» إلى الضباط والجنود من الطائفة العلوية في الجيش النظامي، للانشقاق وترك «المركب المتهالك»، بعد أسبوع على بدء الحملة العسكرية الدولية على «داعش»، لن تلقى على الأرجح أي استجابة، طالما أن مطلقها لا يملك ما يعرضه على هؤلاء سوى الالتحاق بـ «جيشه» الذي يعاني أصلاً من انقسام وفوضى وصراع بين مراكز النفوذ والتمويل، حدت من قدراته وكبلت قواته، وقلصت دوره في الحرب المحتدمة في سورية على أكثر من جبهة.

ومع أن الجيش النظامي ليس في حال أفضل لجهة عوامل التشتت والإرهاق والفوضى والفساد المصاحبة للحال القتالية المتواصلة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، إلا أن نواته الصلبة، وخصوصاً قياداته العليا، لا تزال متماسكة لأسباب كثيرة، حتى الآن خارجية أكثر منها ذاتية، ذلك أن الجميع يعرف أن «التنشئة القومية» التي يفاخر بها النظام ويعتبرها «ضمانته»، ليست هي التي تبقي جيشه متماسكاً، بقدر ما أن افتقاد عرض دولي جدي مصحوب بضمانات حول مستقبل الجيش وقيادييه، لا يترك أمام كبار ضباطه خيارات كثيرة، لا سيما أن التجربة العراقية السيئة لا تزال ماثلة أمامهم في قرار الاحتلال الأميركي المتعمد تفكيك الجيش العراقي وبعثرة قواته، والذي يرجح أنه تم استجابة لإلحاح إيراني.

والواقع أن الجيش السوري تعرض حتى الآن لامتحانات عدة، أهمها إرغامه على التنكر لعقيدته العسكرية والانخراط في مواجهة دامية مع شعبه، بحيث باتت مهمته خوض حرب داخلية لحماية النظام وليس حرباً خارجية لحماية الوطن، وإجباره على استخدام كل أسلحته، بما فيها الطيران والصواريخ البعيدة المدى في قصف المدن والبلدات المنتفضة على سيطرة حاكم دمشق، واللجوء إلى البراميل المتفجرة التي تلقى على الأحياء الآهلة وتخلف ضحايا كثراً ودماراً هائلاً.

كذلك أجبر الجيش على التعاون مع ميليشيات طائفية دفع بها النظام إلى جانبه، بينها ما هو محلي مثل الميليشيات العلوية المسماة «شبيحة» أو «اللجان الشعبية المسلحة» والمنتشرة في المناطق والأحياء التي لا تزال خاضعة لسيطرة الحكم المركزي، والأخرى إقليمية مثل «حزب الله» اللبناني و «لواء العباس» العراقي و «الحرس الثوري» الإيراني، واضطراره إلى التخلي عن جزء من دوره وهيبته لمصلحتها، مع ما صاحب ذلك من احتكاكات خرجت إلى العلن، بعدما شكت هذه الميليشيات مراراً من خسائر في صفوفها نتيجة «نيران صديقة».

وكان الامتحان الأول للجيش السوري، وهو المستمر منذ عقود، إخضاعه لاعتبارات غير احترافية، مثل تقسيم الفرق والألوية، وخصوصاً المدرعة والجوية، بشكل يحول دون أي محاولة انقلاب عسكرية، وتكبيل كبار الضباط بإجراءات غير مدونة، كأن يخضع الضابط السني مهما علت رتبته إلى توجيهات الضابط العلوي الأقل رتبة والمضمون الولاء الذي يتولى مراقبته، فلا يستطيع تحريك أي قوة أو آلية من دون موافقة «مساعده» المفروض عليه، بالإضافة إلى نشر أجهزة الاستخبارات المتعددة في صفوفه لتحصي على الضباط والجنود أنفاسهم، وتحول دون أن يتحول أي تململ إلى تحرك منسق.

لكن كل هذا لم يجعل الانقسامات والانشقاقات تتجاوز ما حصل منها في المرحلة الأولى من الثورة، وما يمكن اعتباره حالات فردية في معظم الأحيان على رغم أن مجموع المنشقين وصل إلى عشرات الآلاف، فبقي الجيش على «ولائه»، لأن ما من طرف دولي، ولا سيما الولايات المتحدة، قدم خريطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد الأسد، أو تطرق إلى كيفية التعامل مع الجيش النظامي، إذ لا تزال المفاوضات الدولية حول مستقبل سورية عالقة عند نقطة «جنيف 2» ولا يتوقع أن تتحرك قريباً. وهذا يعني أن القرار الدولي بإسقاط الأسد لم يتخذ بعد، وأن قيادة الجيش السوري ستبقى في وضع الانتظار حتى إشعار آخر، أو إلى حين يغير التحالف الدولي ضد «داعش» قائمة أهدافه، وهو أمر مستبعد.