باشرَت المحكمة العسكرية الدائمة استجوابَ ضبّاط كبار ورتباء في قضية فرار السجَناء الإسلاميين من سجن رومية، وهم السوري عمر عثمان والجزائري فيصل عقلة والفلسطيني محمود فلاح، في صيف العام 2012، والتي عُدَّت مِن أبرز عمليات الفرار وأكثرِها جدلاً وغموضاً، خصوصاً بعدما تردَّد أنّه لم يُعرَف بفرار هؤلاء السجَناء الخطِرين إلّا بعد أشهر على ذلك، فيما اتّضَح أنّ الفارّين خرَجوا من الأبواب الرئيسة للسجن بنقاب نسائي.
هو مِن الملفّات النادرة التي يُلاحَق فيها ضبّاط كبار من صفّ آمِر سريّة السجون العميد عامر زيلع، والرائد أحمد أبو ضاهر، فضلاً عن الرقيب باسم العك، الملازم عبد الحفيظ فواز، والعريف منذر ممدوح، والفارّين، والسجَناء خليل البوبو وخالد محمود ويوسف الدرويش واليمني سليم صالح «أبو تراب».
زيلع: هكذا استلمتُ السجن
حضَر أمس الضابطان والرتباء ببزّاتهم وجَلسوا على المقاعد إلى يسار القوس المخصَّصة للمحامين، فيما بدا زيلع مرتاحاً وقد تبادلَ التحية مع عناصر ورتباء قوى الامن الداخلي الذين صادفَهم في المحكمة، وعلى غير ما هو مسموح لمعظم زوّار المحكمة العسكرية احتفَظ زيلع بهاتفه الخلوي داخل حرَم المحكمة، وما إنْ خرَج من القاعة حتى أجرى مكالمةً هاتفية منه.
خلال الاستجواب وجَّه رئيس المحكمة العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم معظم الأسئلة مداورةً الى المدّعى عليهم من دون أن يُنهيَ استجواب أيّ منهم على حِدة، وفيما بدأ بباسم العك، أوضَح الأخير أنّه «وصَلني أنّ فلاح لم يَكن يريد النزول إلى التحقيق الذي استدعيَ من أجله لدى مخابرات الجيش، فأبلغت «أبو عبيدة» فقال إحكي مع «أبو تراب». عندها رأيت «أبو الوليد الذي قال لي لديّ إجتماع الساعة الخامسة مساء، تحدّثْ إليّ بعد أن أنهيَه، فأبلغت المقدّم (العميد زيلع) فقال: ترِكو لعشِيّة».
بعد ذلك، انتقل ابراهيم الى «أبو تراب» الذي بقيَ داخل قفص الاتّهام، فاعترف بأنّه زوَّر توقيعَ فلاح على ورقة التكليف التي أُعِدّت لإخراج فلاح من السجن إثر استدعاء مخابرات الجيش له للتحقيق (بعد رصدِ مكالمات هاتفية مشبوهة له)، وأنّه رفضَ بإسم فلاح المثولَ للتحقيق». علماً أنّها عادة لطالما استخدمَها السجناء الإسلاميون لرفض المثول.
ولدى استفهام ابراهيم «من يُعِدّ ورقة التكليف وما هي الإجراءات المتّبعة لتعداد السجَناء واستدعائهم للتحقيق؟»، لم يُعطِ أيّ مِن المدّعى عليهم جواباً شافياً، باستثناء ممدوح، ومهمّتُه عامل اتصالات في السجن، فأوضَح أنّ الورقة مطبوعة سَلفاً وتُعطى إلى السجين إثر استدعاء النيابة العامة له أو المحكمة المولجة بالمحاكمة، وبعد توقيعِها من السجين تُحوَّل إليه وهو بدوره يُحوّلها الى المقدّم، وفي حينه «صار في حديث إنّو إنتو عمِلوا شِغلكم…
لكن أيّاً مِن الضباط لم يوقّع الورقة… هكذا لا يوقّع الرائد شيئاً، كلّه استعلاء وأمنيّات… عندها ذهبتُ الى آمر السجن، قال: شوف ضابط الدوام، ولدى إعطائي ورقة التكليف التي تفيد أنّ السجين لا يَرغب في المثول أعطاني رتيب التحقيق ورقة أكتب عليها العذر. ودوري يَقتصر على هذه الإجراءات، وأنا لا أستطيع التحقّق من سبَب عدم المثول، ليس من صلاحيتي».
يعني لو لم يبلغكم «أبو الوليد» (خالد يوسف المعروف بأنّه أمير الإسلاميين في سجن رومية) لَما علمتم بالفرار، فأين هو التعداد؟ أي أنّ سجيناً يمكن أن يغطّي على 10 سجَناء؟ سأل ابراهيم… وهنا قال زيلع: «أنا كنتُ في اجتماع في وزارة العدل»، وأوضَح فواز أنّ «التعداد شكليّ».
ثمّ طلبَ زيلع الكلام أكثر من مرّة، حيث ذهبَ في إفادته أبعدَ مِن التهَم المباشرة، معلّقاً على حال السجن ككلّ، وأوضح أنّه استلمَ سجن رومية إثرَ الإنتفاضة الشهيرة عام 2011 حيث لم يكن هناك لا أبواب ولا نوافذ ولا قواطع، وكان من المستحيل ضبط السجن وإجراء تعداد للسجناء جيّداً، فقاطعَه إبراهيم «لا أريد أن أفتحَ نقاشاً في أسباب عدم إمكان التعداد».
وفيما نفى زيلع أن يكون السجين الإسلامي «ابو الوليد»، هو من يُجري تعداداً للسجناء الإسلاميين ويبلّغ المسؤولين به، أكّد فواز هذه الواقعة. وهنا توجَّه ابراهيم الى زيلع قائلاً: «أنت قلتَ يا عامر للرائد أبو ضاهر منيح اللّي فيه أوادم مِتل أبو الوليد ليُدير السجن؟»، فنَفى زيلع الأمر إلّا أنّ أبو ضاهر أكّد إفادته الأولية التي تتضمَّن هذا القول. عندها بادرَ زيلع الى الجدل مع أبو ضاهر سائلاً: «أنا قلتلك هيك؟ مِش مظبوط». وهنا قاطعَه ابراهيم: «هنا أنتما في محكمة لا تتعاطيَا عسكرياً، هذه إفادة أوردَها أبو ضاهر في التحقيق».
فأجاب أبو ضاهر «نعم أوردتُها ولا أتراجع عنها». عندها أوضَح زيلع «أنّني قلت للضبّاط عمِلوا شِغلكم والسجَناء ما بيعضّوا، كان عليّ أن أقنعَ الضبّاط بالدخول الى السجن. لم يكن أحد يريد القيام بالمهمّات الموكلة إليه بعد الإنتفاضة، ما كان بَدّن يشتِغلوا، هذه كانت مشكلتي مع كلّ الضبّاط».
وعن ورقة التكليف، قال زيلع «هيدي ما معي خبَرها. وفي السّجن قانون عام أتبعه، لا أدخل في التفاصيل، وأريد أن يعرفَ الجميع أنّه بعد الانتفاضة كنّا كلّما طلبنا سجيناً تقام انتفاضة، بمعدّل انتفاضة كلّ يوم، وعندما نذهب الى منازلنا يقولون لنا عودوا إلى السجن. كنّا نعيش stress دائم، كنّا نرتاح صباحاً لأنّ عمل السجناء يبدأ الثالثة بعد الظهر».
فناداه ابراهيم مجدّداً: «يا عامر سألتك عن شي جاوَبتني عن شي تاني، في هذه الحالة الشاذّة ما هي الإجراءات التي اتّخذتَها لكي لا يتكرّر الفرار، فهي كانت العملية الـ 300 التي أتت إلى محكمتي، كنتم تنتظرون أبو الوليد لإبلاغكم؟»، فأجاب «كلّا».
وهنا سأل إبراهيم «أبو تراب»: «شو الورقة اللي بتحطّوها على الباب لكي لا يزعجَكم أحد مثل الأوتيلات». أجاب «أبو تراب»: «نقول: مشغول». إبراهيم: «كلّا هناك جملة تضعونها»، فأجاب أبو ضاهر: «هي تقول بالله عليكم لا تصرخوا لا تنادوا، إخواننا نائمون». وهنا علّق «أبو تراب»: «أجل أو مشغول في الحمام».
ولاستكمال الاستجواب أرجَأ ابراهيم الجلسة إلى 17 حزيران المقبل.