ينشغل النظّار في مدرسة الأمير شكيب إرسلان الرسمية في توزيع الكتب المكدّسة والمفروشة على طاولة، تبدو مستعملة لكنها بحالة جيّدة. يساعدهم في الفرز والتوزيع شبّان وشابّات يلبسون بزّات كُتب عليها: «كشافة التربية»، يصعدون السلالم لاهثين، ويسلّمون الأساتذة الكتب التي تصل أخيراً إلى أيدي الطلاب، فـ«يلتهمونها» بحماسة. في مدارس رسمية أخرى، يُنفض الغبار عن كتب جديدة وصلت إلى المدرسة في نهاية العام الماضي قبل توزيعها على الطلاب.
هكذا تفتتح المدارس الرسمية عامها الجديد بين إعادة تدوير الكتب المستعملة بين الطلاب وتوزيع تلك الجديدة التي تبرّعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) بطباعتها وتوزيعها مجاناً على المدارس الرسمية والخاصة في العام الماضي، فوصلت في الأشهر الأخيرة، لتلاحظ نقصاً جزئياً في بعض الكتب بشكل متفاوت بين صف وآخر ومدرسة وأخرى. التاريخ يُعيد نفسه للمرة الثالثة، حيث ينطلق العام الدراسي في المدارس الرسمية من دون أن يتوفر الكتاب المدرسي الرسمي. المفارقة أنه في السنتين الماضيتين، ورغم التأخير الذي طال كثيراً، إلا أن المدارس كانت مطمئنة إلى أن «اليونسيف» ستوفّر الكتب ولو بعد حين، أما هذا العام، فحتى الآن لم تتوفر جهة مانحة تتبرع بطباعة وتوزيع الكتب على الطلاب.
ثغرات إعادة التدوير
صحيح أن مبدأ إعادة التدوير ينجح في سدّ جزء كبير من الحاجة إلى الكتب، فـ«العدد الأكبر من الطلاب أعادوا الكتب وأخذوا بدلاً منها، حتى أننا اشترطنا على من غادر المدرسة إرجاع الكتب للحصول على الإفادة، وهي جميعها بحالة جيدة»، وفق مديرة ثانوية شكيب إرسلان المختلطة وسيلة يمّوت، إلا أنه ذلك لا يحلّ مشكلة غياب الكتاب المدرسي لعدة أسباب. أولها، عدم إمكانية تطبيقه على جميع الطلاب خاصة في صفوف الروضات والمرحلة الأولى الذين «ينهكونه»، أو حتى على جميع الكتب لا سيما كتب التطبيقات. ثانيها، «رداءة نوعية الكتب التي وزّعت في العام الماضي والتي فرطت بمعظمها حتى تعذّر استخدامها ثانية»، كما ينقل مدير مدرسة رسمية في بيروت، آسفاً لإعادة تدوير كتب في «حالة مزرية» بانتظار الكتب الجديدة، لأنه «مجبورين».
حلول ترقيعية
بعض المدارس الرسمية تنتظر الحلّ لسدّ نقص الكتب لديها، وبعضها الآخر ترقّع حلولاً بانتظار الحلّ الفعلي. مثلاً، تقوم أستاذة لغة عربية في إحدى المدارس باستخدام كتاب القراءة يومياً ريثما يأتي كتاب القواعد. وتقوم مدرّسة أخرى بتصوير كل درس وتوزيعه على الطلاب شاكية ارتفاع تكاليف التصوير، «فسعر قنينة الحبر 100دولار وماعون الورق 7 و8 دولارات، عدا عن كلفة الكهرباء واستهلاك آلة التصوير»… متوسّلة «الإسراع في إيجاد حلّ». فيما تطلب مدارس من الأهل تأمينه على نفقتها، علماً أن الكتاب الرسمي غير متوفر في المكتبات. وهذا ما ينتقده رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد، «لأنه يخالف قانون إلزامية التعليم ومجانيته لجميع الطلاب من صف الروضة الأولى حتى التاسع أساسي، والذي يشمل توزيع الكتب المدرسية بالمجان على طلاب المدارس الرسمية». لذلك، «يخطئ المدير عندما يطلب من الأهالي تأمين الكتب متنصّلاً من مسؤوليته»، لافتاً إلى أن ذلك «قد يكون خياراً يتخذه من لا يريد انتظار تأمين الكتب».
الأزمة ستقع بعد أسبوع تقريباً عندما يكون نصف الصف يمتلك كتاباً ونصفه الآخر ينتظر
هذه الحلول الترقيعية قد تنفع لفترة قصيرة. ويمكن القول إن المشكلة الفعلية لم تبدأ بعد، لأن المدارس لا تزال في مرحلة المراجعات ولم ينطلق العام الدراسي فعلياً. تنقل مديرة مدرسة رسمية في صيدا هواجسها من أن يتأخر تأمين الكتب الناقصة والتي «تبلغ حوالى 10 في المئة من مجموع الكتب». وترى أن «الأزمة الحقيقية ستقع بعد أسبوع على أبعد تقدير عندما يكون نصف الصف يمتلك كتاباً ونصفه الآخر لا يزال ينتظر، عندها إما تتعطل العملية التعليمية أو تسير من دون أن تلتفت المعلمة إلى افتقاد البعض للكتاب، فيسقط مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الطلاب».
«تحميس» اليونيسيف
ترسل وزارة التربية والتعليم العالي مدقّقين إلى المدارس الرسمية للاطلاع على الكتب المتوفرة وإحصاء الحاجات الفعلية. لكن، إذا وضعنا جانباً التأخير الذي يرافق تحديد الحاجات الفعلية، وإجراء مناقصات للشركات التي ستلتزم الطباعة، ثم الطباعة، فالتوزيع… لم تتبرّع أي جهة مانحة بالطباعة حتى تاريخ كتابة هذه السطور. لذلك تمارس الجهات الرسمية تقشفاً قاسياً أثناء تحديد الحاجة الفعلية للكتب حتى لا «تحمّلها زيادة» على الجهات المانحة، خاصة بعد فضائح هدر الأموال التي صرفتها. تقول رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحاق: «نحاول تحديد الحاجات بدقة حتى لا نطلب الكثير، عسى أن تتحمس اليونيسيف للطباعة مجدداً».
وتتحدث إسحاق عن حلّ بديل عن الكتاب الورقي، وهو «الكتاب الإلكتروني e-book المتاح للجميع على موقع المركز ويمكن تحميله أو طباعته»، واعدة أن «تجري دورات إلزامية فورية للأساتذة للتدريب على استخدامه». نعم، المركز في سباق مع الوقت وإمكاناته ضئيلة، ومن جهة ثانية لا يمكنه إجبار الجهات المانحة على مساعدته لسدّ النقص في الكتب الرسمية. لكن، فلتراعِ محاولات إيجاد الحلول ظروف الطلاب الفعلية، فهل يمتلك كل الطلاب في المدارس الرسمية أجهزة لاستخدام الكتاب الإلكتروني؟ أو هل يملكون ثمن طباعته؟