منذ نهاية الحرب الأهلية، بدأت مساعي إعادة تفعيل عمل خدمة البريد في لبنان، إلا أن الخطوة الرسمية الأولى سجلت في 13 تموز 1995، حين أصدر مجلس الوزراء قراراً قضى بالإجازة لمجلس الإنماء والإعمار التعاقد مع المؤسسة الألمانية للاستشارات البريدية لوضع دراسات فنية وخطة لإعادة هيكلة البريد وتنظيمه وتطويره. وبالفعل، أعدّت المؤسسة المذكورة دفاتر الشروط لإجراء مناقصة لتنفيذ الخدمات البريدية. بعد ذلك، وقع الاختيار على شركة CPSML/PROFAC الكندية التي تضمّن عرضها التمويل الكامل لتنفيذ المشروع من دون ترتيب أي أعباء مالية على الدولة، على أن يحقق إيرادات مالية تصاعدية طوال مدة العقد، الذي وقّع في 22 تموز 1998.
في الفترة التي تلت، ازدادت الاعتراضات المرتبطة بقانونية العقد، فبرز رأيان: الأول يشير إلى إمكان توقيع العقد استناداً إلى أحكام المادتين الأولى والثانية من المرسوم الاشتراعي رقم 126/59، اللتين أجازتا للإدارة تلزيم نقل المراسلات البريدية، من دون الحاجة إلى استصدار قانون وفقاً لأحكام المادة 89 من الدستور (دعم جواز تلزيم المصالح ذات المنفعة العامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون). والثاني، أبداه المستشار القانوني لوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية آنذاك، ويعتبر فيه أن تفويض المشترع للإدارة يقتصر على تلزيم عملية نقل البريد، لا تلزيم المرفق العام البريدي بكامله، وبالتالي ينبغي التفاوض مع الشركة لإعادة النظر في تحديد مضمون العقد وتعديل بعض الأحكام الواردة فيه. لذلك، أعادت الوزارة التفاوض مع الشركة المذكورة، وتوصلت إلى اتفاق تضمن إجراء تعديلات على العقد، شملت 15 بنداً، منها: إعادة تحديد مضمون العقد وحصره بعملية نقل المواد البريدية بما فيها الحوالات البريدية وخدمة الطرود والبريد العاجل الدولي، وخدمة توزيع الفاكس وطوابع الهواة، إضافة إلى اعتماد عبارة «البريد العاجل الدولي» بدلاً من عبارة «البريد السريع»، تلافياً للبس القائم بين تسمية البريد السريع و«البريد بالمواكبة» الذي لا يدخل ضمن الحصر البريدي والذي رخصت الإدارة لعدد من الشركات المحلية القيام به. وتضمن التعديل أيضاً إلزام الشركة الملتزمة بأن يكون الفرع المحلي الذي تؤسسه في لبنان مفوضاً عنها لإجراء التبليغات وتنفيذ القرارات (Liban Post)… وقد وافق مجلس الوزراء على التعديلات في 9 حزيران 1999، ووقّع العقد المعدل في 16 آب من العام نفسه. كما اعتبر ذلك التاريخ تاريخ المباشرة بتنفيذ العقد، الذي حددت مدته بـ15 سنة قابلة للتمديد ثلاثة سنوات.
التعديل الثاني، الذي أقره مجلس الوزراء في 9 آب 2000 ووقّع في 24 آب، فرضته الصعوبات التي واجهت عملية التطبيق، ومنها عدم تمكن الوزارة من منع بعض الشركات الخاصة من توزيع البريد محلياً، خلافاً لأحكام الحصر البريدي وعدم التزام دوائر الدولة بموجب توزيع مواد المراسلات والفواتير الإدارية بواسطة الشركة.
تملّكت مجموعة «سرادار» شركة «ليبان بوست» قبل نحو 5 سنوات
ولأن المشاكل لم تنته، وهنا تختلف الآراء بين من يرى أن هذه المشاكل كانت متعمّدة وهدفها تطفيش الشركة الكندية، ومن يرى أن طبيعة القطاع والفوضى التي كانت تعتريه، كانت أكبر من قدرة المستثمر على الاحتمال، كانت النتيجة إدخال تعديل ثالث حيّز التنفيذ في 16 حزيران 2002 (صدر القرار الحكومي في 20 آب 2001)، قضى بالموافقة على قبول مساهمين جدد في شركة «ليبان بوست»، هما شركة «مساهمات» والشركة الفرنسية «فاكتور إنفست هولدينغ». كذلك قضى بإجراء تعديلات على العقد بغية «تأمين خدمات أفضل» وحفاظاً على المصلحة العامة، ومنعاً لحصول تغييرات مختلفة لبعض مواد العقد، الأمر الذي قد يؤدي إلى نزاعات مستقبلية». وبالفعل، وُقِّعَت في 15 أيلول 2001 وثيقة سميت «عقد مخالصة وإبراء» بين وزير الاتصالات وممثل شركة «ليبان بوست»، توافق بموجبها الطرفان على إعطاء الشركة إبراء ذمة بمناسبة نقل مكلية الأسهم. ومنذ الحين، انسحبت الشركة الكندية من القطاع، ليحل محلها آل ميقاتي. وقد بقي الوضع على حاله، إلى حين أجري تبادل أسهم منذ نحو 5 سنوات، حصل آل ميقاتي بنتيجته على أسهم في بنك سرادار مقابل تملّك مجموعة «سرادار»، التي تملك أسهماً في البنك، لشركة «ليبان بوست». اليوم، يفترض أن يبت مجلس الوزراء بالتعديل الرابع على العقد، الذي يشمل تعديلات محدودة على مضمونه، وفي أسماء المساهمين وحصصهم.
من ملف : «ليبان بوست»: تمديد بلا مزايدة ولا مناقصة!